سلام ونعمه لكل محبي موقع و منتديات بحبك يا يسوع نعتذر عن تعطل الموقع لفتره طويله ونقوم الان بنقل الموقع والموضوعات للمراسله info@loveyou-jesus.com اذكرونا في صلاواتكم
Page 1 of 2 12 LastLast
Results 1 to 10 of 18
  1. #1
    أمين الخدمة

    Status
    Offline
    Join Date
    May 2007
    Location
    sharm el sheikh
    Posts
    539

    تفسير انجيل يوحنا الاصحاح السادس

    في المرحلة الأولى قدم لنا الإنجيلي يوحنا كلمة المسيح بكونه واهب التجديد، وفي المرحلة الثانية واهب الحياة. الآن يقدم لنا الإنجيلي شخص السيد المسيح بكونه الخبز السماوي الذي يقوت النفس ويشبعها لتبقى حيَّة ونامية. إنه الكلمة المتجسد، بكلمته يقيمنا للحياة الجديدة، وبجسده الذي هو الخبز السماوي ينعشنا لنثبت فيه.

    في هذا الأصحاح نرى السيد المسيح يشبع الجموع بسمكتين وخمسة أرغفة شعير قدمها غلام.

    أولًا: رفع يسوع عينه ليرى الجموع الجائعة. لم ينتظر من يطلب طعامًا أو من يشبع الجموع، إنما يتطلع هو إلى احتياجات الناس.

    ثانيًا: وهو يقدم طعامًا للشعب يقبل تقدمة غلام صغير. كما يعطي يأخذ، علامة الحب المتبادل بين الله والبشرية. كما رفع من معنوية الغلام وهو يرى تقدمته الصغيرة أشبعت كل الجماهير وفاضت باثنتي عشرة قفة من الكسر.

    ثالثًا: يكرم الله كل إنسان ويطلب التقدمة من غلام أو صبي أو طفل، مهما كانت قليلة! علامة شعور الإنسان بدوره الحيوي ومساهمته في خدمة البشرية.

    رابعًا: ترمز السمكتان إلى العهدين الجديد والقديم، والخمس خبزات إلى أسفار موسى الخمسة. شتان ما بين استلام الكلمة من يد السيد المسيح وبين القراءة خلال التفسير البشري. كلمة الله مُشبعة وفياضة متى قدمها لنا مسيحنا خلال كنيسته (تلاميذه).

    خامسًا: سأل الرجال أن يتكئوا على العشب الذي يشير إلى الجسم، فلا نجعل من الجسم قائدًا، بل من النفس الناضجة. فيخضع لها الجسم ليعمل تحت قيادتها ولحسابها وليس لحساب شهوات الجسد.

    سادسًا:عادت الجموع تبحث عنه في الغد، لا للتمتع بصانع الآيات، وإنما لأنها أكلت وشبعت [26]، لذا قدم لهم السيد المسيح مائدة جديدة مختلفة: جسده ودمه المبذولين طعامًا يهب الحياة الأبدية والقيامة.

    الذي سار على المياه لكي يحملنا فيه فنسلك الطريق الملوكي يقدم لنا ذاته الخبر النازل من السماء ويهب حياة للعالم[33]. تحدث السيد بوضوح أنه الخبز الإلهي المنعش للحياة الأبدية.تعثر كثيرون من تلاميذه وتركوه، أما هو فقال للإثني عشر:" ألعلكم أنتم أيضًا تريدون أن تمضوا" [17] أصر أنه يقدم جسده ودمه، وليس رمزين لأمر آخر، وإلا ما كان يترك هؤلاء يرجعون من ورائه.

    لم يستطع اليهود أن يقبلوا الكلمة الإلهي، ولا أن يتمتعوا بجسده ويشربوا دمه لذا تركوه ومضوا.



    1. إشباع الجموع:

    ١ - ١٤.



    2. سير المسيح على الماء


    ١٥ - ٢١.

    3. الجموع تطلب في كفرناحوم


    ٢٢ - ٢٥.

    4. أنا هو الخبز الحي


    ٢٦ - ٥٩.

    5. تذمر البعض


    ٦٠ - ٦٥.

    6. إلى من نذهب


    ٦٦ - ٧١.

  2. Description
    content
  3. #2
    أمين الخدمة

    Status
    Offline
    Join Date
    May 2007
    Location
    sharm el sheikh
    Posts
    539
    اعتاد الإنجيلي يوحنا أن يشير إلى المعجزات التي لم يشر إليها أحد الإنجيليين الثلاثة الآخرين، ما عدا هذه المعجزة، فقد تحدث عنها الإنجيليون جميعًا. ففي كل الجوانب متى قُدم السيد المسيح كملك (إنجيل متى) أو خادم للبشرية (إنجيل مرقس) أو صديق لها (إنجيل لوقا) أو ابن الله الذي يهب البنوة للبشرية (إنجيل يوحنا) ما يبغيه الإنجيل هو إشباع احتياجات الإنسان من كل الجوانب.


    هذا وقد اهتم الإنجيلي بهذه المعجزة لكي يورد الحديث الطويل الملحق بها والخاص بتقديم المسيح نفسه خبزًا نازلًا من السماء، فنشبع به بكونه الكلمة الإلهي، كما يقدم لنا جسده ودمه المبذولين عنا غفرانًا للخطايا وحياة أبدية.


    "بعد هذا مضى يسوع إلى عبر بحر الجليل،


    وهو بحر طبرية". [1]


    حدد الإنجيلي المكان والزمان لعمل المعجزة وكل الظروف المحيطة بها كشهادة على حقيقة القصة لما لها من أهمية تمس حياة الكنيسة عبر الأجيال.


    مضي يسوع إلى عبر بحر الجليل وهي بحيرة طبرية، تُدعى في موضع آخر جنيسارت. وتُدعى هنا بحر طبرية Tiberias نسبة إلى مدينة تقع على الجانب الغربي من البحيرة قام هيرودس مؤخرًا بتوسيعها وتجميلها، ودعها على اسم الإمبراطور طبريوس Tiberius تكريمًا له، ويحتمل إنه جعلها عاصمته. لم يعبر السيد البحر وإنما جعل رحلته عبر البحر، أي على ساحلها.


    يرى القديس كيرلس الكبير أن السيد المسيح انصرف من أورشليم، وعبر إلى الضفة الأخرى من بحيرة طبرية تحاشيًا لبغضه عديمي الإيمان له، وأنه فعل ذلك اختياريًا وليس قسرًا. إنه يعلمنا الهروب من هجمات الشر، ليس خوفًا من الموت، وإنما حبًا في مضايقينا.


    * لسنا نسعى من أجل خيرنا بل من أجل خير الآخرين أيضًا. عمل المحبة ليس في تصدي الذين يريدون الشر بنا، ولا في الاكتفاء بما نعاني ما يحل بنا، فنثير فيهم الغضب المرير بسبب عجزهم عن السيطرة على ما يكرهونه. فالمحبة لا تطلب ما لنفسها كما يقول بولس (١ كو ١٣: ٥). هذا ما كان في المسيح بشكل واضح.


    القديس كيرلس الكبير


    * ليتنا أيها الأحباء لا نتنافس مع العنفاء، بل نتعلم أنه حينما يفعلون هذا لا يسيئون إلي فضيلتنا بسبب مشوراتهم الشريرة، وإنما يُكبح عملهم العنيف وكما أن السهام إن سقطت علي جسم ثابت قوي ومقاوم ترتد بقوةٍ عظيمة علي من ألقوها، فلا يجد عنف الذين ألقوها من يعارضهم، هكذا أيضًا بالنسبة للمتغطرسين، عندما نصارع معهم يزدادون شراسة، ولكن حين نخضع وننحني أرضًا بسهولة نبطل جنونهم. لذلك عندما عرف الرب أن الكتبة والفريسيين قد سمعوا أن يسوع صار يعمد تلاميذ أكثر من يوحنا ذهب إلي الجليل ليطفئ من حسدهم ويهدئ بانسحابه غضبهم الذي هاج بالتقارير التي وصلتهم. وعندما رحل للمرة الثانية إلي الجليل لم يذهب إلى ذات المواضع التي ذهب إليها قبلًا، إذ لم يذهب إلي قانا بل إلى "عبر البحر"[659].


    القديس يوحنا الذهبي الفم


    هذا ويرى القديس كيرلس الكبير أن العبور إلى الضفة الأخرى يحمل رمزًا لعبور الكرازة بالسيد المسيح من اليهود إلى الأمم، فلا يمكنهم العبور إليه بسبب عدم إيمانهم به.


    * معبر البحر الذي يفصل بين الجانبين يشير إلى صعوبة عبور اليهود، بل بالأحرى استحالة سيرهم في الطريق المؤدية إليه، إذ يعلن الله أنه يسيّج طرق النفس الشريرة، قائلًا في الأنبياء: "هأنذا أسيّج طريقها بالشوك... حتى لا تجد مسلكها" (هو ٢: ٦). فما يُشير إليه الشوك هناك يشير إليه البحر هنا، إذ يفصل المُهان عن الذين أهانوه بلا هوادة، والمقدس عن النجس.


    القديس كيرلس الكبير


    "وتبعه جمع كثير،


    لأنهم أبصروا آياته التي كان يصنعها في المرضى". [2]


    لم يذكر القديس يوحنا معجزات الشفاء هذه، فقد أوردها الإنجيلي متى في شيء من التفصيل (مت ١٢: ٢؛ ١٤: ١٣). التفت الجماهير حوله، وكانوا يشتاقون إلى التعرف عليه من أجل كثرة ما فعله. أما بالنسبة للسيد المسيح فلم يكن هذا الجمهور يمثل تكريمًا له، وإنما يمثل حق عمل لتقديم كلمة الحق ولخدمتهم حتى يتمتعوا بالشركة معه.


    يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم علي هذه العبارة موضحًا أن ما ورد هنا لا يشير إلى أصحاب عقول حكيمة جدًا، لأنهم انجذبوا بالمعجزات أكثر من التعليم، مع أن الآيات هي لغير المؤمنين وليس للمؤمنين.


    "فصعد يسوع إلى جبل،


    وجلس هناك مع تلاميذه". [3]

  4. Description
    content
  5. #3
    أمين الخدمة

    Status
    Offline
    Join Date
    May 2007
    Location
    sharm el sheikh
    Posts
    539




    أما المنبر الذي كان من عليه يتحدث مع الجمهور فهو الجبل حيث جلس عليه ومعه تلاميذه. هذا الجبل في برية صيدا في مقاطعة فيلبس التابعة للجليل.


    * صعد إلي الجبل لكي يعلمنا دومًا أن نستريح من فترة إلى أخرى بعيدًا عن الضجيج وارتباك الحياة العامة، فإن الوحدة أمر لائق لدراسة الحكمة. كثيرًا ما كان يصعد وحده علي جبل، ويقضي الليل هناك يصلي حتى يعلمنا أن من يرغب في الاقتراب من الله يلزمه أن يتحرر من كل اضطراب ويبحث عن أوقات هادئة خالية من الارتباك[660].


    القديس يوحنا الذهبي الفم


    * لنتبعه وهو مُضطهد وهارب من عناء مقاوميه، حتى أننا نحن أيضًا "نصعد إلى جبل ونجلس معه". فنرتفع إلى نعمة مجيدة، أسمى من كل شيءٍ، ونملك معه. وكما قال بنفسه: "أنتم الذين تبعتموني في تجاربي متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده في التجديد، تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" (مت ١٩: ٢٨؛ لو ٢٢: ٢٨).


    القديس كيرلس الكبير


    "وكان الفصح عيد اليهود قريبًا". [4]


    يربط الإنجيلي يوحنا بين هذه المعجزة وعيد الفصح، بقوله: "وكان الفصح عيد اليهود قريبا"[4]. فإن الفصح الحقيقي هو تقديم جسد المسيح ذبيحة علي الصليب، وهو بعينه الإفخارستيا التي نتمتع بها علي المذبح. وأن هذه المعجزة كانت تمهيدُا لقبول العالم المؤمن جسد الرب ودمه المبذولين للإشباع الروحي، حياة أبدية لن يهزمها الزمن أو الموت.


    حدث هذا قبل العيد الثالث للفصح الذي احتفل به السيد أثناء خدمته؛ كان قرابة عشرة أو اثني عشر يومًا قبل العيد. وقد اعتاد اليهود أن يقضوا شهرًا كاملًا قبل الفصح لعمل الإعدادات الضخمة الخاصة به، فيمهدون الطرق ويصلحون الكباري إن كانت هناك حاجة إلى ذلك، ويتحدثون عن الفصح وكيف تأسس.


    لعل الجمهور في تلك المنطقة أدركوا أنه قد اقترب موعد عيد الفصح حيث يلتزم كل الرجال أن يذهبوا إلى أورشليم، وبالتالي حتمًا يصعد يسوع المسيح إلى أورشليم، فلا تكون لهم فرصة للقاء معه وسط الازدحام الضخم والجماهير القادمة من بلاد كثيرة. لهذا أرادوا انتهاز الفرصة للالتفاف حوله وعدم مفارقتهم له قدر المستطاع. لم يؤجلوا اللقاء معه إلى ما بعد العيد، بل كانوا حكماء، ينتهزون كل فرصة للتمتع به.


    * إن قلت: ما غرض المسيح في توجهه الآن إلى الجبل وجلوسه هناك مع تلاميذه أجبتك: بسبب المعجزة التي أزمع أن يجريها... ولكي يعلمنا أن نستريح من الانزعاج الذي حولنا، لأن الهدوء والقفر موافقان للحكمة، وقد توجه المسيح إلى الجبل دفعات كثيرة وحده، وظل ليلة بطولها يصلي.


    القديس يوحنا الذهبي الفم


    "فرفع يسوع عينيه،


    ونظر أن جمعًا كثيرًا مقبلإليه،


    فقال لفيلبس:من أين نبتاع خبزًا ليأكل هؤلاء" [5]


    رفع يسوع عينيه ورأى الجمهور الضخم من الطبقة العامة الفقيرة، نفوسهم في عينيه ثمينة جدًا كنفوس الأغنياء بلا تمييز. يهتم السيد باحتياجاتهم الروحية كما الجسدية أيضًا لذلك سأل فيلبس: "من أين نبتاع خبزًا ليأكل هؤلاء" فقد كان يهوذا هو أمين الصندوق، وكان فليبس هو المسئول عن تدبير الطعام اليومي للتلاميذ.


    * هذا يظهر أنه لم يجلس قط في أي وقت في خمول مع تلاميذه، وإنما يدخل معهم في حوار، ويجعلهم ينصتون إليه ويتجهون نحوه، الأمر الذي يشير علي وجه الخصوص إلي عنايته الحانية وتواضعه وتنازله في سلوكه معهم. لقد جلسوا معه وربما كل ينظر الواحد إلي الآخر، وإذ رفع عينيه شاهد الجماهير قادمة إليه[661]


    القديس يوحنا الذهبي الفم


    * رفع المسيح عينيه ليعلن أن الذين يحبونه يتأهلون للنظرة الإلهية. وكما قيل لإسرائيل في البركة: "يرفع الرب وجهه عليك، ويمنحك سلامًا" (عد ٦: ٢٦).


    القديس كيرلس الكبير


    * أعطى يسوع للبعض خبزًا من الشعير لئلا يخوروا في الطريق، ومنح سرّ جسده للآخرين (مت ٢٦: ٢٦) لكي يجاهدوا من أجل الملكوت[662].


    القديس أمبروسيوس


    يقارن القديس يوحنا الذهبي الفم بين ما فعله الله مع موسى النبي وما فعله السيد المسيح مع فيلبس. ففي القديم سأل الله موسى عما في يده، وإذا به يخبره أنها عصا، لا حول لها ولا قوة، فتصير عصا لله التي يصنع بها عجائب. وها هنا يسأل السيد المسيح فيلبس عن إمكانياته وهو والتلاميذ لإشباع الجموع، فكادت تكون لا شيء سوي خمسة أرغفة شعير وسمكتان لدي غلام، استخدمها السيد لإشباع هذه الألوف مع فيض من الكسر.


    من أجل محبته للإنسان يود الله أن يدخل دومًا في حوار معه، ويسأله عن إمكانياته، لكي يقدم الله من جانبه إمكانياته الإلهية القديرة خلال عجزنا وضعف إمكانياتنا.


    "وإنما قال هذا ليمتحنه،

  6. Description
    content
  7. #4
    أمين الخدمة

    Status
    Offline
    Join Date
    May 2007
    Location
    sharm el sheikh
    Posts
    539


    لأنه هو علم ما هو مزمع أن يفعل". [6]


    قال السيد المسيح ذلك لكي يختبر إيمانه، ولكي يجتذب قلبه وقلوب إخوته نحو عمله الإلهي. هذا وقد كان فيلبس من بيت صيدا في منطقة مجاورة للموضع، على إلمام بإمكانيات الموضع وربما يعرف الكثيرين في ذلك الموضع.


    سأل فيلبس ليس لأن السيد المسيح لا يعرف الإجابة، وإنما لكي يتعرف فيلبس على بلادة إيمانه.


    "أجابه فيلبس:


    لا يكفيهم خبز بمأتي دينار


    ليأخذ كل واحدٍ منهم شيئًا يسيرًا". [7]


    كان الدينار هو الأجرة اليومية العادية للشخص.


    كأن الرسول فيلبس يقول للسيد المسيح أنه لا مجال لمناقشة هذا الأمر، فمن جهة لا توجد إمكانيات في الموضع لإشباع هذه الجماهير، وإن وُجدت الإمكانيات العينية فمن أين لنا أن نشتري هذا فإننا نحتاج إلى ٢٠٠ دينارًا


    "قال له واحد من تلاميذه


    وهوأندراوسأخو سمعان بطرس". [8]


    مع أن أندراوس أكبر من سمعان بطرس، وهو الذي دعا أخاه ليتبع المسيح، لكن سرعان ما لمع نجم بطرس حتى صار أندراوس يُعرف بأنه أخ بطرس، أي يُنسب إليه لكي يعرفه القارئ.


    * كان أندراوس أسمى من فيلبس لكنه لم يبلغ إلى النهاية.ما نطق به ليس مصادفة بل سمع عن معجزات الأنبياء وكيف صنع أليشع آية بالخبزات (2 مل 4:43)، ولهذا فقد ارتفع إلى علو معين، لكنه لم يبلغ إلى القمة ذاتها[663].


    القديس يوحنا الذهبي الفم


    "هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان،


    ولكن ما هذا لمثل هؤلاء" [9]


    عرفت كنعان بأنها أرض الحنطة (تث ٨: ٨). اعتاد سكانها أن يأكلوا الحنطة الفاخرة (مز ٦١: ١٦)، لكن يسوع المسيح سرّ بالخبزات التي من الشعير، فلم يحتقرها بل شكر ووزع خلال تلاميذه ليجد الكل شبعًا.


    في ضعف إيمان قال فيلبس: "ولكن ما هذا لمثل هؤلاء" [٩]. لم يدرك أن يسوع هو الذي أشبع محلة إسرائيل كلها في البرية بالمن النازل من السماء، فهل يصعب عليه أن يشبع ألف عائلة بخبزة شعير


    يرى القديس أغسطينوس أن الأرغفة الخمسة من الشعير تشير إلى العهد القديم الذي يضم أسفار موسى الخمسة. وهي من الشعير، لأن قشرة الشعير جامدة ويصعب نزعها، كالعهد القديم حين كان اليهود يمارسونه بالحرف، ويستصعبون إدراكه بالروح. أما الغلام فيشير إلى شعب إسرائيل القديم الذي سلك في الروحيات كغلام صغير بلا نضوج، وأما السمكتان فتشيران إلى الشخصيتان الرئيسيتان في العهد القديم، وهما النبي والملك أو الحاكم. كان الغلام يحمل هذا دون أن يأكل منه.


    لقد قُدمت الخبزات والسمكتان لذاك الذي وحده يعطي العهد القديم فهما روحيًا جديدًا. [بعد طول زمانٍ جاء بنفسه في سرّ، هذا الذي عُني به خلال هؤلاء الأشخاص. جاء بعد زمن طويل ذاك الذي يشار إليه بالشعير، ولكنه كان مخفيًا بالقشرة. جاء الشخص الواحد يحمل الشخصيتين للكاهن والحاكم. إنه الكاهن إذ يقدم نفسه للَّه ذبيحة من أجلنا، وهو الحاكم إذ يملك علينا. هذه الأمور التي كانت مغطّاة الآن تُكشف. شكرًا له، فقد حقق بنفسه ما ورد في العهد القديم. أمر بكسر الخبزات، وبكسرها تضاعفت وكثرت. ليس حق أفضل من هذا، أنه إذ تُفسر أسفار موسى الخمسة كم من الأسفار تُكسر وكأنها قد صارت مفتوحة ومحمولة[664]]


    هكذا يشير الغلام إلى الشعب اليهودي الذي كان كطفلٍ في معرفته وفهمه للناموس. كانوا يتمسكون بالحرف دون إدراك للروح. وكانت الخبزات الخمس تشير إلى كتب موسى التي متى وضعت في يدي المسيح تفيض علينا بالفهم الروحي المشبع للنفس، وتقوت قلوبنا بخبز الحياة. أما السمكتان فتشيران إلى المزامير والأنبياء. بالمزامير يعلن المؤمنون شكرهم وتسابيحهم لعمل الله الخلاصي، وخلال الأنبياء يتعرفون على سرّ المسيح مشبع كنيسته بحضرته، واتحادها معه، وثبوتها فيه وهو فيها. وقد تم ذلك بعد عبور بحر طبرية، أي يتحقق خلال مياه المعمودية.


    جاءت الكلمة اليونانية للسمكتين وهو الاسم المستخدم حاليًا في مصر باللغة الدارجة"بساريا" يترجمها البعض سمكتين صغيرتين. ويري كثير من الدارسين أن السمكتين كانتا مملحتين، ولا يزال الأقباط يأكلون سمكًا مملحًا في يوم شم النسيم، في اليوم التالي لعيد القيامة المجيد.


    * الخمسة أرغفة تعني أسفار موسى الخمسة التي للناموس. فالناموس القديم هو من الشعير متى قورن بحنطة الإنجيل. في هذه الأسفار توجد أسرار عظيمة عن المسيح. لذلك قال بنفسه: "لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني، لأنه هو كتب عني" (يو ٥: ٤٦).


    ولكن كما أنه في الشعير يختفي لُبه في قشرته (القش) هكذا في حجاب إسرار الناموس يختفي المسيح.


    وكما أن هذه الأسرار تصير في تقدم وتُكشف، هكذا هذه الخبزات تتزايد عندما تُكسر.


    في هذا الذي أشرحه لكم أكسر لكم خبزًا.


    الخمسة آلاف رجلًا يشيرون إلى الشعب الخاضع لأسفار الناموس الخمسة. الإثنا عشر قفة هم الإثنا عشر تلميذًا الذين هم أنفسهم امتلأوا بكسر الناموس. السمكتان هما وصيتا حب الله وقريبنا، أو هما الشعبان: أهل الختان والغرلة، أو الشخصيتان للملك والكاهن. إذ تُشرح هذه الأمور، تُكسر، عندما يفهمها الآكلون[665]


    القديس أغسطينوس

  8. Description
    content
  9. #5
    أمين الخدمة

    Status
    Offline
    Join Date
    May 2007
    Location
    sharm el sheikh
    Posts
    539
    * يشير بالأرغفة الخمسة إلى كتاب الحكيم جدًا موسى ذي الأسفار الخمسة، أعني الناموس كله الذي كان بمثابة الطعام الأغلظ، أي بالحرف والتاريخ، لأن هذا ما يلمح إليه لفظ "شعير".


    لكنه يشير بالسمكتين إلى ذلك الطعام الضئيل الذي حصلنا عليه بواسطة الصيادين، إشارة إلى الكتب الشهية جدًا التي لتلاميذ المخلص. وهما اثنتان، إشارة إلى الكرازة الرسولية الإنجيلية التي أشرقت في وسطنا. وكلاهما مخطوطات الصيادين وكتاباتهم الروحية. هكذا يخلط المخلص الجديد بالقديم، والناموس بتعاليم العهد الجديد، فيقود نفوس المؤمنين به إلى الحياة التي هي بلا شك أبدية.


    القديس كيرلس الكبير


    إذ يشير القديس كيرلس الكبير إلى عدم الإيمان فيلبس يحذرنا من عدم الإيمان الذي بسببه حُرم موسى وهرون من أن يقودا الشعب إلى الأرض الموعد حين تشككا في إمكانية صدور ماءٍ من الصخرة. يقول: [من ينجو بسبب عدم إيمانه من غضب الله، هذا الذي لا يحابي أحدًا، إذ لم يشفق حتى على موسى الذي قال له: "عرفتك أكثر من الجميع، ووجدت نعمة في عيني" (خر ٢٣: ١٢lxx).]


    * تحول عدم إيمانهم إلى شهادة حسنة للمسيح. لأنهم باعترافهم أن مبلغا كبيرًا كهذا المال لن يكفي الجموع ولو لشراء زادٍ طفيف، بهذا ذاته يكللون قدرة رب الجنود التي لا يُنطق بها، هذا الذي عندما لم يتوفر شيء... تمم عمل محبته نحو الجموع بغنى فائق.


    القديس كيرلس الكبير


    ربما يتساءل البعض: ألم يكن ممكنًا للسيد المسيح أن يشبع الجموع دون استخدام السمكتين والخمس خبزات


    يرى كثير من الآباء أن السيد استخدم هذه الأمور لكي لا يظن أحدا أن الخليقة المادية نجاسة، وأنها غير صالحة، كما ادعى الغنوصيون خاصة في القرن الثاني الميلادي. إنه يقدس ما خلقه سواء القمح أو الشعير أو السمك أو الكروم... ويستخدم هذه الأمور في صنع عجائبه بمباركته إياها.


    * أعتقد (أندراوس) أن صانع العجائب يقدم القليل من القليل، والكثير مما هو كثير. لكن الأمر علي خلاف ذلك، فإنه يسهل علي السيد في الحالتين أن يجعل الخبز يفيض سواء من الكثير أو من القليل، إذ لا يحتاج إلي مادة (ليفيض منه الخبز).


    ولكن لئلا يظن أن الخليقة غريبة عن حكمته كما ادعى بعد ذلك المفترون الذين تأثروا بمرض مرقيون (الذي يظن أن المادة دنس والخليقة المادية نجسة لا تليق بالله)، لهذا استخدم السيد الخليقة نفسها (الخبز والسمك) كأساس لعمل عجائبه[666].


    القديس يوحنا الذهبي الفم

  10. Description
    content
  11. #6
    أمين الخدمة

    Status
    Offline
    Join Date
    May 2007
    Location
    sharm el sheikh
    Posts
    539




    يرى القديس جيروم أن السيد المسيح قدم للجماهير تارة خبزًا من الحنطة وأخرى من الشعير (مت 15:14-21؛ 32:15-38). كل من الحنطة والشعير خليقة اللَّه، بها تشبع الجماهير. وإذ كان الشعير في ذلك الحين طعام الحيوانات، لذا جاء في المزمور: "أنت يا رب تخلص الإنسان والحيوان" (مز 7:36). فهو يُشبع الروحيين، وأيضًا الذين تحت ضعف الجسد. ويبرر بهذا القديس جيروم حديثه عن البتولية أنها كالذهب، والزواج كالفضة، وكلاهما معدنان لهما قيمتهما[667].


    "فقال يسوع:


    اجعلوا الناس يتكئون،


    وكان في المكان عشب كثير،


    فاتكأ الرجال وعددهم نحو خمسة آلاف". [10]


    طلب السيد المسيح من تلاميذه أن يتكئوا الناس على العشب ليستعدوا للطعام قبل أن يقدم لهم الطعام، أو يروي لهم ما سيفعله. لقد طلب الطاعة المرتبطة بالإيمان ليقفوا ويروا خلاص الله العجيب.


    يشير العشب الكثير إلى الجسد (إش 50: 6)، أو الشهوات الجسدية. فإنه لا يستطيع أحد أن يشبع بالقوت الروحي ما لم يُخضع شهواته الجسدية تحته، أو يطأها بقدميه. إذ اتكأ الرجال الخمسمائة على العشب تمتعوا بالطعام الروحي المقدم لهم من السيد المسيح نفسه خلال تلاميذه.


    كان من عادة اليهود أن يحصوا الرجال وحدهم من سن العشرين فما فوق دون النساء والأطفال أو الصبيان.

  12. Description
    content
  13. #7
    أمين الخدمة

    Status
    Offline
    Join Date
    May 2007
    Location
    sharm el sheikh
    Posts
    539
    بهذا القول أنهض المسيح تمييز تلاميذه وأطاعوه في الحال، ولم يضطربوا، ولا قالوا ما هو هذا، كيف يأمرنا أن نتكئ الجموع ولم يظهر شيئًا في الوسط بهذا ابتدأوا بالإيمان قبل نظرهم إلى المعجزة.


    القديس يوحنا الذهبي الفم


    "وأخذ يسوع الأرغفة وشكر ووزع على التلاميذ،


    والتلاميذ أعطوا المتكئين،


    وكذلك من السمكتين بقدر ما شاءوا". [11]


    يعلمنا السيد أن نقدم الشكر لله على كل بركاته الروحية والجسدية، فإن ما لدينا هو عطية مجانية من عنده. وكما يقول الرسول بولس: "لأن كل خليقة الله جيدة، ولا يُرفض شيء إذ أُخذ مع الشكر، لأنه يقدس بكلمة الله والصلاة" (١ تي ٤: ٤-٥).


    إن كانت الجماهير قد قبلت الخبز من أيدي التلاميذ إلاَّ أن العطية في حقيقتها هي من يدي السيد المسيح نفسه. هكذا يليق بالمؤمن أن يدرك أن كل ما يناله هو من الرب نفسه، وإن جاءت بوسيلة أو أخرى.


    * صلى لأن الحاضرين كانوا جمعًا عظيمًا ووجب أن يتحقق عندهم أنه جاء إليهم برأي الله، وحتى يصيرهم موقنين أنه ليس ضد الله ولا معاندًا لأبيه.


    القديس يوحنا الذهبي الفم


    قبل أن يوزع السيد المسيح الخبز والسمكتان على تلاميذه شكر حتى يعلن فرحه بكل عطية سماوية يقدمها للبشر كي يشبعوا ويغتنوا، أيضًا لكي يدربنا على حياة الشكر.


    عهد السيد المسيح بالطعام للتلاميذ، والتلاميذ قدموه للمتكئين، أي الجمهور. إنه بيديه يقدم لنا الفهم الروحي للناموس والمزامير والأنبياء، ولكن خلال تلاميذه ورسله أو الكنيسة المقدسة.


    "فلما شبعوا قال لتلاميذه:


    اجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيء". [12]


    يلتزم المؤمن بجمع الكسر، فلا يبدد الموارد، لأنها عطية إلهية ووزنة يلزمنا أن نكون أمناء فيها مهما بدت تافهة، ولو كانت كسرة خبز من الشعير. كان اليهود يتطلعون إلى الخبز بكونه الطعام الرئيسي يمثل بركة من الرب، لذا يحرصون ألا يسقط فتات خبز على الأرض ولا يطأ أحد بقدميه على فتات الخبز. إلى الآن في صعيد مصر يحمل الناس هذا الاتجاه فيحسبون من يطأ بقدميه على فتات خبز كمن يسئ إلى بركة الرب وعطاياه. جاء في أمثال اليهود: "من يحتقر خبزًا يسقط في أعماق الفقر".


    إن كان الرب يهتم بكسر الخبز الذي من الشعير، فكم بالأولى لنا أن نحرص على ألا نفقد كلمة الرب أو نفسد وقتنا


    وضع اليهود لأنفسهم قانونًا أن يتركوا كسرة خبز بعد الطعام إشارة إلى أن البركة قائمة في البيت. أما الأشرار فلا يبقون شيئًا على المائدة إشارة إلى نزع البركة عنهم "ليست من أكله بقية، لأجل ذلك لا يدوم خيره" (أي ٢٠: ٢١).


    إن كسرت الخمس خبزات لن تملأ اثنتي عشرة قفة، فكيف ما تبقي منها يملأها لم يكن ممكنًا لكائنٍ ما أن يدرك كيف يجمعون كسرًا من الخمس خبزات التي قُسمت على هذه الآلاف من البشر بعد أن شبعوا. هكذا إذ يقدم لنا السيد المسيح طعامًا روحيًا يشبع أعماقنا وتفيض يشبع آخرون من الكسر المتبقية والتي تفوق أحيانا ما قد نلناه.


    جاء هذا الأمر الإلهي الخاص بجمع الفضلات يكشف عن أهمية الإيمان بإله المستحيلات الذي يهب بسخاء، فيشبع النفوس لتفيض بالخيرات والفرح، علي خلاف الانحباس في الأرقام والحسابات البشرية مع عدم الإيمان والتي تسبب جفافًا وحرمانًا داخليًا.


    يدعونا السيد لكي نتقبل من يديه حياة أفضل وشبعًا يفيض، فنترنم قائلين: "تعرفني سبل الحياة، أمامك شبع سرور، وفي يمينك نعم إلى الأبد" (مز 16: 11).


    * بجمع الكِسَرْ يتأكد الإيمان بأنه كانت هناك وفرة من الطعام حقًا، ولم يكن الأمر فيه خداع لنظر المشتركين في الوليمة.


    * لا يخيب الله من يستعد للتوزيع؛ ويتهلل بمسلك المحبة الأخوية... إذ ننفق قليلًا لأجل مجد الله ننال نعمة أوفر، كقول المسيح: "كيلًا جيدًا ملبدًا مهزوزًا فائضًا يعطون في أحضانكم" (لو ٦: ٣٨)... يقول الله: "افتح أحشاءك بسعة لأخيك المحتاج الذي معك" (انظر تث ٥: ١١).


    القديس كيرلس الكبير

  14. Description
    content
  15. #8
    أمين الخدمة

    Status
    Offline
    Join Date
    May 2007
    Location
    sharm el sheikh
    Posts
    539




    يرى القديس كيرلس الإسكندري أن السيد المسيح سمح بامتلاء اثنتي عشرة سلة، لكل تلميذ سلة. وكأن من يتعب في تقديم كلمة الله، الطعام الروحي، للشعب فسينال بسخاء ملء النعمة الإلهية.


    كان يرغب أنه يعلم تلاميذه الذين كانوا معدين ليكونوا معلمين للعالم. ربما لم تحصد الجموع أية ثمار من المعجزة (إذ للحال نسوا المعجزة وسألوا معجزة أخرى) بينما هؤلاء التلاميذ اقتنوا نفعًا ليس عامًا...إني مندهش من دقة الفائض. الكسر الباقية تحمل النقاط التالية:


    أن ما حدث لم يكن تخيلًا، وأنها كسر من الخبزات التي اقتاتت بها الجموع.


    أما بالنسبة للسمك فقد جاء عن مادة كانت موجودة فعلًا (أي كان السمك لدى الغلام) ولكن في فترة لاحقة، بعد القيامة وُجد سمك ليس من مادة موجودة (حيث وجدوا سمكًا مشويًا قبل إخراج السمك من الشبكة يو 9:21)[668].


    القديس يوحنا الذهبي الفم


    "فجمعوا وملأوا اثنتي عشرة قفة من الكسر،


    من خمسةأرغفة الشعير التي فضلت عن الآكلين". [13]

  16. Description
    content
  17. #9
    أمين الخدمة

    Status
    Offline
    Join Date
    May 2007
    Location
    sharm el sheikh
    Posts
    539
    . سير المسيح على الماء

    اختفاء السيد المسيح عندما أرادت الجموع أن تقيمه ملكًا ثم ظهوره للتلاميذ وحدهم سائرًا علي البحر يحمل إعلانًا كتابيًا هامًا. فإن السيد المسيح يقدم جسده خبزًا من السماء، لا لكي يملك علي الأرض، بل ليحمل أعضاء جسده (الكنيسة) إلي كنعان السماوية. أراد أن يصحح المفاهيم الخاطئة لمملكة المسيا. ومن جانب آخر إن كان موسى قد شق البحر ليعبر مع شعب الله، فالسيد المسيح جاء سائرًا علي المياه ليحمل شعبه إلي ما فوق تيارات العالم.

    إذ يقول الكتاب المقدس عن الله "الماشى على البحر" (أي 9: 8) جاء في التقليد اليهودي عند الربيين أن المسيا يأتي من البحر، فأراد السيد أن يؤكد لهم أنه هو المسيا المنتظر الذي تنبأ عن الكتاب وورد عنه في التقليد.

    "وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكًا،

    انصرف أيضًا إلى الجبل وحده". [15]

    أرادت الجماهير أن تخطفه وتقيمه ملكًا أرضيًا حسب هواهم، أما هو فاختفى منهم، وانصرف إلى الجبل وحده. لم يدركوا طبيعة مملكة المسيح، فأرادوا تكريمه حسب تفكيرهم لا حسب فكره الإلهي. كانت الجماهير تريد الخلاص من قيصر ومن الاستعمار الروماني، أما السيد المسيح فلم يرد أن ينشغل تلاميذه بالأمور السياسية، وألا يحملوا عداوة ضد إي إنسان.

    بانسحابه إلى الجبل وحده يؤكد لنا أهمية انسحابنا من العالم من حين إلى آخر للقاء مع الله في حديث سري والتمتع بالسكون المقدس. خدمتنا للآخرين مهما بلغت أهميتها يلزم ألا تفقدنا عبادتنا الشخصية السرية.

    * لما امتلأت بطونهم، وكان الطعام عندهم هو أكثر حرصهم، اعتزموا أن يجعلوا المسيح ملكًا، إلا أنه هرب... معلمًا إيانا أن نحتقر مراتب العالم، مظهرًا أنه لا يحتاج إلى المراكز الأرضية، لأن المنح الآتية إليه من السماوات كانت بهية عظيمة، وهي الملائكة والنجم وأبوه هاتفًا، والروح شاهدًا، وأنبياء أنذروا به من زمان بعيد، أما التي من الأرض فكلها حقيرة. جاء ليعلمنا أن نزدري بالأشياء التي هنا وأن نعشق النعم المقبلة.

    القديس يوحنا الذهبي الفم

    * هرب من الذين أرادوا أن يعطوه الكرامة التي يستحقها، ورفض مملكة تعتبر أعظم مكافأة أرضية، مع أنها بالنسبة له لم تكن في الحقيقة أمرًا يشتهيه، لأن له الملك مع الآب على الأشياء...

    يليق بنا أن نتحاشى محبة المجد، الذي هو شقيق الغطرسة وقريبها، وليس ببعيد عنها.

    يلزمنا أن نتحاشى أيضًا الكرامة البرّاقة في هذه الحياة الحاضرة، فهي ضارة. ولنبحث عن التواضع المقدس، مقدمين بعضنا البعض، كما ينصح الطوباوي بولس أيضًا قائلًا: "فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضًا، الذي إذ كان في صورة الله لم يُحسب خلسة أن يكون معادلًا لله، لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبدٍ، صائرًا في شبه الناس، وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفعه الله أيضًا، وأعطاه الاسم الذي هو فوق كل اسم" (في ٢: ٥ - ٩).

    إن كنا نهتم بالأمور السماوية ونحيا لأجل أمور علوية أكثر من الأرضية، فلنرفض العظمة على الأرض، إن عرضت علينا، فهي والد كل مجدٍ باطلٍ.

    القديس كيرلس الكبير

    يرى القديس كيرلس الكبير أن صعوده إلى الجبل وحده حين أرادوا أن يقيموا منه ملكًا يشير إلى رفضه على الأرض، لكنه يصعد إلى السماء، الجبل المقدس (مز ٢٤: ٣-٤) حتى متى عاد من السماء في مجيئه الأخير يملك بالكامل علينا.

    * عندما جلس الرب على الجبل مع تلاميذه رأى الجموع قادمة إليه فنزل من الجبل وأشبعهم في الأماكن السفلية للجبل. إذ كيف كان يمكن له أن يهرب إلى هناك مرة أخرى لو لم يكن قد نزل قبلًا من الجبل

    يحمل ذلك معنى، نزول الرب من العلا ليطعم الجموع ويصعد...

    لقد جاء الآن لا ليملك في الحال، إذ يملك بالمعنى الذي نصلي من أجله: "ليأتِ ملكوتك" (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). إنه يملك على الدوام مع الآب بكونه ابن اللَّه، الكلمة الذي به كان كل شيء. لكن الأنبياء يخبروننا عن ملكوته الذي فيه هو المسيح الذي صار إنسانًا ويجعل مؤمنيه مسيحيين...

    ملكوته يمتد ويُعلن عندما يُعلن مجد قديسيه بعد أن تتم الدينونة بواسطته، الدينونة التي تحدث عنها قبلًا، إن ابن الإنسان يتممها. ذلك الذي يقول عنه الرسول: "عندما يُسلم ملكوت اللَّه للآب" (1 كو 15: 24). وقد أشار عليه بنفسه قائلًا: "تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المُعدّ لكم منذ بدء العالم" (مت 25: 34).

    لكن التلاميذ والجموع التي آمنت به ظنوا أنه قد جاء لكي يملك حالًا، لهذا أرادوا أن يمسكوه ويجعلوه ملكًا. أرادوا أن يسبقوا الزمن الذي أخفاه بنفسه لكي يعلنه في الوقت المناسب[669].

    القديس أغسطينوس

    * ماذا يعني: "هرب (انصرف) أن سموه لا يمكن إدراكه! فإن ما لا تستطيع فهمه تقول عنه: "لقد هرب مني". لذلك هرب ثانية إلى الجبل وحده، هذا البكر من الأموات صعد أعلى من السماوات يشفع فينا (كو 1: 18؛ رو 8: 34)[670].

    القديس أغسطينوس

    "ولما كان المساء نزل تلاميذه إلى البحر". [16]

    ربما بتوجيه من السيد المسيح انطلق التلاميذ بالسفينة نحو كفرناحوم حتى لا ينشغلوا بحوار غير نافع خاص بإقامة يسوع ملكًا. أراد أن يسحبهم من هذه التجربة، لكنهم يواجهون تجربة أخرى وهي هياج البحر من ريح عظيمة.

    جاء السير على المياه بعدما اشبع الجموع (مر 6: 34-51؛ مت 14: 13-33). هنا بعد أن قدم المسيح كلمته واهبة الحياة والقيامة يقدم نفسه في وقت المجاعات كما في وقت العواصف معلنًا حضوره الإلهي: "أنا هو" الواهب المعونة والمشبع للاحتياجات، "لا تخافوا".

    * تشير هذه السفينة إلى الكنيسة بينما هو في الأعالي... بحقٍ قال: "كان ظلام"، لأن النور لم يأتِ إليهم. كان الوقت ظلام، ويسوع لم يأتِ إليهم. إذ تقترب نهاية العالم وتتزايد الأخطاء، ويتضاعف الرعب، ويكثر الإثم، ويزيد إنكار الإيمان غالبًا ما ينطفئ النور، باختصار النور الذي أظهره الإنجيلي يوحنا بالكامل وبوضوح ليكون حبًا. إذ يقول: "من يبغض أخاه هو في الظلمة. تتزايد ظلمة العداوة بين الإخوة ، تتزايد يوميًا ولم يأتِ بعد يسوع[671].

    القديس أغسطينوس

    "فدخلوا السفينة،

    وكانوا يذهبون إلى عبر البحر إلى كفرناحوم،

    وكان الظلام قد اقبل،

    ولم يكن يسوع قدأتىإليهم". [17]

    * إن سألت: ولِم تركهم ولم يظهر لهم أجبتك: ليعرفهم كم هو أثر تركه إياهم، ويجعل شوقهم إليه أعظم تأثيرًا.

    القديس يوحنا الذهبي الفم

    "وهاج البحر من ريح عظيمة تهب". [18]

    * تتقاذف الأمواج العاتية من هم ليسوا مع يسوع، وقد انفصلوا عنه أو بدوا غائبين عنه، بانصرافهم عن شرائعه المقدسة. فانفصلوا بسبب الخطية عن ذاك القادر أن يخلص. فإن كان الأمر ثقيلًا علينا أن نكون في ظلمة روحية، فإن كنا مثقلين بسبب ابتلاع بحر الملذات المريرة، فلنقبل يسوع، لأنه هو يخلصنا من المخاطر ومن الموت في الخطية.

    القديس كيرلس الكبير

    "فلما كانوا قد جذفوا نحوخمس وعشرين أو ثلاثين غلوة،

    نظروا يسوع ماشيًا على البحر،

    مقتربًا من السفينة،

    فخافوا". [19]

  18. Description
    content
  19. #10
    أمين الخدمة

    Status
    Offline
    Join Date
    May 2007
    Location
    sharm el sheikh
    Posts
    539

    * مما يلوح لظني أن هذه المعجزة هي أخرى غير المعجزة التي وردت في بشارة متى (مت 14: 22-23).

    إن سألت: لماذا خافوا أجبتك: إن الأسباب التي جعلتهم يخافون كانت كثيرة، فمن جهة الوقت كان ظلامًا، ومن جهة البحر لهبوب الرياح، ومن جهة المكان لأنهم لم يكونوا قريبين من الأرض[676].

    القديس يوحنا الذهبي الفم

    "فقال لهم:

    أنا هو لا تخافوا". [20]

    يقول:"أنا هو"، أي "أنا الساكن (وسط الشعب)"، أو"أنا هو الذي أنا هو" (خر 3:14)

    جاء ماشيًا على المياه ليس استعراضًا لسطانه على البحر والطبيعة، وإنما إعلانًا عن إخضاع قوانين الطبيعة لحساب مؤمنيه، خاصة في وسط آلامهم. إنه الرب الذي يركب السحاب لنجدة شعبه (تث ٣٣: ٦). يسمح لأولاده بالتجارب، لكنه لن يتركهم وسط التجربة، بل يعلن عن حضوره ليهبهم راحة وسلامًا.

    إذ رأوا السيد المسيح ماشيًا على المياه خافوا وارتعبوا، إذ ظنوه خيالًا. فالخوف من الخيال أشد من الخوف من التجربة نفسها.

    * تأملوا كيف أن المسيح لم يظهر لأولئك الذين كانوا في السفينة عند إبحارهم في الحال، ولا عند بدء المخاطر التي حدثت، لكن حينما كانوا على بعد غلواتٍ كثيرة بعيدًا عن الشاطئ. فإن نعمة ذاك الذي يخلص لا تفتقدنا حالما يبدأ الخطر حولنا، وإنما عندما يبلغ الخوف ذروته، ويبدو الخطر نفسه عنيفًا جدًا، ونوجد في وسط أمواج الضيقات، عندئذ يظهر المسيح دون توقع، ويبدد مخاوفنا، ويخلصنا من كل خطرٍ، وبقدرته التي لا يُنطق بها يبدد المخاوف بالفرح، ويصير هدوء وسلام.

    القديس كيرلس الكبير

    "فرضوا أن يقبلوه في السفينة،

    وللوقت صارت السفينة إلى الأرض التي كانوا ذاهبينإليها". [21]

    كلما اقتربت الضيقة منا اقترب السيد المسيح بالأكثر لكي ينقذنا. إنه يقترب إلينا، لكنه لن يدخل سفينة حياتنا قسرًا بل إن قبلناه بكامل حريتنا.

    يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أنه لم يظهر نفسه ماشيًا علي المياه، إذ كانوا غير متأهلين لذلك بسبب ضعفهم، أما التلاميذ فرأوه إلي حين ثم اختفي، إذ لم يدخل السفينة[677].

    علي أي الأحوال ظهر السيد المسيح للتلاميذ إذ كانوا في وسط الضيقة، أما الجمهور الذي كان علي البر فلم يتمتعوا برؤيته هكذا. الضيق هو مجال خصب للنفس لكي تتمتع برؤية مخلصها قادمًا إليها وهو سائر علي مياه العالم، يطأ بقدميه كل الأمواج العنيفة ويتحدى الرياح.

    لم نسمع أن السيد المسيح هنا يأمر أمواج البحر لكي تسكت والرياح لكي تهدأ، لكن ما أن قبلوه في السفينة حتى وجدوا السفينة علي الشاطئ في أمانيبدو أن السفينة قد رست عند الشاطئ بطريقة غير عادية، كأمرٍ معجزي.قبول السيد المسيح لدخوله في النفس كفيل أن يهبها سلامه الداخلي بطريقة فائقة للطبيعة.

    * المسيح هو نجاتنا من كل خطر، وهو يحقق الإنجازات بما يفوق توقع الذين يقبلونه.

    تلاميذه وحدهم وبأنفسهم كنموذج للمعلمين الكنسيين بالتتابع عبر الأزمان كلها، يسبحون خلال أمواج هذه الحياة الحاضرة كنموذج للبحر، يواجهون تجارب عديدة وشديدة، ويتحملون مخاطر لا يُستهان بها عند التعليم، وذلك على أيدي أولئك الذين يعارضون الإيمان ويحاربون الكرازة بالإنجيل. لكنهم سيتحررون من خوفهم ومن كل خطرٍ، وسوف يستريحون من أتعابهم وبؤسهم حينما يظهر المسيح لهم بعد موته أيضًا بقدرته الإلهية، إذ قد وضع العالم كله تحت قدميه.

    هذا ما يشير إليه سيره على البحر، مادام البحر غالبًا ما يُعتبر رمزًا للعالم في الكتب المقدسة... فحينما يأتي المسيح في مجد أبيه كما هو مكتوب (مت ١٦: ٢٧) حينئذ سفينة الرسل القديسين، أي الكنيسة، والذين يبحرون فيها، أي الذين بالإيمان والمحبة نحو الله يرتفعون فوق أمور العالم، دون تأخير وبدون أي تعبٍ، يربحون الأرض التي كانوا ذاهبين إليها، إذ غايتهم هي بلوغ ملكوت السماوات، كما إلى مرفأ هادئ.

    القديس كيرلس الكبير

    * لماذا تخافون أيها المسيحيون

    المسيح يتحدث: "أنا هو لا تخافوا".

    لماذا تنزعجون لهذه الأمور لماذا تخافون

    لقد سبق فأخبرتكم بهذه الأمور أنها ستحدث حتمًا... "أنا هو لا تخافوا. فرضوا أن يقبلوه في السفينة" [20-21].

    إذ عرفوه وفرحوا تحرروا من مخاوفهم. "وللوقت صارت السفينة إلى الأرض التي كانوا ذاهبين إليها"[21]. وُجدت نهاية عند الأرض، من المنطقة المائية إلى المنطقة الصلدة، من الاضطراب إلى الثبات، من الطريق إلى الهدف[678].

    القديس أغسطينوس

    * لقد سمح بالعاصفة أن تثور لكي يطلبوه، واسكن العاصفة لكي يتعرفوا علي سلطانه، ولم يصعد إلي السفينة لكي يجعل المعجزة أعظم![679]

    القديس يوحنا الذهبي الفم


  20. Description
    content
Page 1 of 2 12 LastLast

Posting Permissions

  • You may not post new threads
  • You may not post replies
  • You may not post attachments
  • You may not edit your posts
  •