love jesus
05-06-2022, 07:49 AM
الزرع الذي ينمي وحده هو تشبيه أكثر منه مثلاً. وقد سبق وبيّنا، في مقال سابق، الفرق بين المثل والتشبيه. ينطلق التشبيه من واقع ملموس، ولذلك ترد الأفعال التي تصف التشبيه، عادة، في الزمن الحاضر. إنها يتناول أمراً يحدث كل يوم، ويوجّه الاهتمام إلى ما هو أساسي ومعتاد، وليس إلى ما هـو خارق وفريد. فمن المعتاد أن ينمي الزرع بعد بذر حبّه، والمعتاد أن تصير حبة الخردل شجرة كبيرة.
ينقل لنا إنجيل القديس مرقس هنا رواية بها ثغرات ونقاط صعبة وانتقالات مفاجئة، ولكنها في ذات الوقت رواية حيّة وديناميكية، تتداخل فيها الأفعال والصوّر. تنقص هذه الصورة، الزرع الذي ينمي وحـده، بعض التفاصيـل التي تضفي على المعنى غموضاً يزيده غناً وإثارة. قد يرجع هذا النقص إلى سذاجـة أو عدم دقة الكاتب، كما إنه يمكن أن يرجع إلى عبقريته. فليست الرواية وحدها هي الغير عادية، إنما أيضاً ما تشير إليه أي حقيقة ملكوت الله.
ونحن نعرف أن لكل مثل من الأمثال نقطة مركزية وأساسية. ولكنّا نعرف أيضاً أن هذه القاعدة ليست جامدة، وأنه يمكن فهمها بأكثر من طريقة.
مراحل القصة الثلاثة
يروي هذا التشبيه القصير قصة الزرع التي تشير إلى ملكوت الله في ثلاث مراحل: مرحلة بذر الزرع- مرحلة النمو- مرحلة الحصاد.
بطل المرحلة الأولى هو الزارع . إنها مرحلة قصيرة ومقتضبة للغايـة ، يعبر عنها المثل بفعل واحد في زمن الماضي التام Aoriste للدلالة على اكتمال العمل. وتعتبر هذه المرحلة كنوع من المقدمة للمرحلتين التاليتين.
ويتوسع المثل في وصف المرحلة الثانية، يتأنى الـراوي لكـي يحث المستمع على التأني مثله. وبطـل هذه المرحلة هو البذر وتشاركه التربة دور البطولة . ولا يُذكر الزارع، وإن ذُكر فلكي يُعلَن عن عدم مشاركته في العمل. بالنسبة له هي مرحلة تمر: فسواء نام أو قام ، ليل نهار فإنه يجهل مـا يتم أثناء هذه الفترة : لا يدري كيف يكون ذلك.
أما بالنسبة للبذر فهي مرحلة هامة جداً. إنه زمن النمو: ينبت وينمي . كما أنها فترة لا تقل أهمية بالنسبة للأرض (التربة). إنها مرحلة عمل ونشاط ، فهي من نفسها تعمل على تغييرات غير عادية : إنها تخـرج العشـب أولاً ثم السنبل ثم القمح الذي يملأ السنبل.
يظهر الزارع مرة أخرى في المرحلة الثالثة حتى وإن كان المثل لا يذكره صراحة: يُعمَل فيه المنجل. نلاحظ جيداً أنه لا يذكر الحاصد، بل يذكر آلة الحصاد وهي المنجل، والفعل مبني للمجهول.
يحيط عمل الزارع/ الحاصد مشهدان آخران، ليس فاعلهما هو الحاصد . المشهد الأول : فما أن يدرك الثمر ؛ أمـا المشهـد الثاني فهو لأن الحصاد قد حان. علينا أن نفحص هذين المنظرين بتأنٍ. لا يقول المثل: عندما يدرك الزارع/ الحاصد أن الثمر قد نضج ، إنما يقول: فما أن يدرك الثمر. والفعل اليوناني المستخدم هو "باراديدوناي" الذي يعني يسمح، يهب، يمنح.
إنها صورة رائعة: الثمر هو الذي يمنح ذاته للإنسان والإنسان لا يفعل شيئاً إنه لا يعمل بل يقبل الثمر. الزرع هو الذي يقوم بكل شيء: فهو الذي ينبت وهو الذي ينمي وهو الذي ينضج وهو الذي يهب نفسه للإنسان في الحصاد.
وعند الحديث عن أوان الحصاد يستعمل المثل فعلاً في الماضي parfait وفي ذلك اشارة لشيء يدنو ويبقى ويستمر. إنها مرحلة ثبات وليست مرحلة عابرة. إن زمن الحصاد طويل ولكنه في نفس الوقت زمن يجب انتهازه واغتنامه.تقتضي المفردات المستعملة السرعة "فما أن.... سريعاً". إنه زمن يبقى وفي نفس الوقت يدعو للعجلة. "حان الوقت" (مر 15:1).
أوجه الثقة
إلى هنا استعرضنا المثل وقسمنا فتراته وصوره وأزمنته. الشيء الواضح والأكيد هو تركيز الانتباه على المرحلة الوسيطة ما بين بذر الحب وحصاد المحصول. إلا أن زوايا النظر متعددة.
يبدو أن التشبيه يركز على التناقض بين فترتين: فترة نشاط الزارع / الحاصد وهي فترة قصيرة جداً، سواء بالنسبة لزرع البذور أو لجمع المحصول، وفترة نشاط وعمل ونمو الزرع وهي فترة طويلة، تتم بعيداً عن الأعين، في سرية تامة في جوف التربة.
يتوقف التشبيه طويلاً عند هذه الفترة لدرجة تثير الدهشة وبعض الصعوبات: لماذا يتأخر البذر في الإعلان عـن نفسه بعد وقوعه في التربة http://127.0.0.1/vb/images/smilies/2anipt1c.gif ما معنى هذا الزمن الذي يطول جداً، والذي فيه يبدو كل شيء ساكناً ولا يُرى فيه شيء، ويبدو أن الله نفسه يصمتhttp://127.0.0.1/vb/images/smilies/2anipt1c.gif.
يجيب التشبيه على هذه التساؤلات على النحـو التالي : هذه المرحلة الوسيطة هي أهم مرحلة. إنها فترة النمو والتغييرات العجيبة، إنه زمن حاسم ، زمن عمل الله وليس زمن غيابه. الزارع/ الحاصد هو الذي يظل بلا عمل، أما البذر أو الزرع فهو يموج نشاطاً. فإذا كان كل شيء يتم بعيداً عن الأنظار، بطريقة سرية، فلا يعني ذلك أن الله يصمت ، بل يعني أنه يتكلم بطريقة مختلفة عما نتصوره نحن واعتدنا عليه.
بالتالي لا مجال لخيبة الأمل ولا الاضطراب ولا لنفاذ الصبر. إنها فترة انتظار واثق: هذا هو الدرس. ولكن هذه الثقة ليست سهلة المنال. يطالب المؤمنون دوماً بالنظر: "يارب أرنا الآب وحسبنا" ( يو8:14 ) "مادمت تعمل هذه الأعمال فاظهر نفسك للعالم" (يو 4:7).
ولا يتوقف الراوي على التناقض القائم بين طول فترة الانتظار وقصر فترة العمل، بين العمل الظاهر وبين العمل الخفي. إنه يتوقف عند تناقض آخر وهو عدم نشاط الزارع من ناحية، والنشاط المستمر للبذر والأرض، من ناحية أخرى. والجانب الأكثر أهمية هو قدرة الزرع على النمو. رسالة المثل تقوم في أن الزارع لا يستطيع أن يفعل شيئاً من ذاته.
الأرض تثمر من نفسها، بطريقة غير منظورة وبدون مبررات ظاهرية. ولا يشير المثل هنا إلى قدرة الطبيعة، إنما يشير إلى عمل الله الإعجازي : فالأرض تثمر بفضل عمل الله المعجز والإعجازي. هذا هو معنى المثل ومغزاه. وكذلك ملكوت الله هو عمل إلهي لا يتوقف، غير ظاهر، مستقل وعجيب.
الملكوت ذاته الكامن في التاريخ، مثل البذرة، يتحقق من ذاته، ولا يحققه البشر. وبهذا يتحرر التلميذ من الارتباك غير المجدي. ليس دوره هو أن يضمن نجاح الملكوت إذ يقتصر دوره على إعلان البشارة، وعلى الحصاد، عندما يحين الوقت.
الذي يحدد زمن الحصاد هو الثمر ذاته، وليس الحاصد. وليس معنى ذلك أن يخلد التلميذ للسلبية وعدم المشاركة والمساهمة، لأنه لا توجد أية اشارة ليسوع تدعو لذلك. يدعو هذا التشبيه كل المسيحيين إلى الانتظار الواثق . لأن ملكوت الله ليس شأن البشر، بل شأن صاحبه: الله. إنه لا يمكن التعجيل به، كما حاول أن يفعل ذلك الغيورون، أيام المسيح، وكما يحاول أن يفعل بعض المسيحيين في كل زمن. ملكوت الله ليس مسألة تنظيم وكفاءة إنما استقبال وقبول.
ينقل لنا إنجيل القديس مرقس هنا رواية بها ثغرات ونقاط صعبة وانتقالات مفاجئة، ولكنها في ذات الوقت رواية حيّة وديناميكية، تتداخل فيها الأفعال والصوّر. تنقص هذه الصورة، الزرع الذي ينمي وحـده، بعض التفاصيـل التي تضفي على المعنى غموضاً يزيده غناً وإثارة. قد يرجع هذا النقص إلى سذاجـة أو عدم دقة الكاتب، كما إنه يمكن أن يرجع إلى عبقريته. فليست الرواية وحدها هي الغير عادية، إنما أيضاً ما تشير إليه أي حقيقة ملكوت الله.
ونحن نعرف أن لكل مثل من الأمثال نقطة مركزية وأساسية. ولكنّا نعرف أيضاً أن هذه القاعدة ليست جامدة، وأنه يمكن فهمها بأكثر من طريقة.
مراحل القصة الثلاثة
يروي هذا التشبيه القصير قصة الزرع التي تشير إلى ملكوت الله في ثلاث مراحل: مرحلة بذر الزرع- مرحلة النمو- مرحلة الحصاد.
بطل المرحلة الأولى هو الزارع . إنها مرحلة قصيرة ومقتضبة للغايـة ، يعبر عنها المثل بفعل واحد في زمن الماضي التام Aoriste للدلالة على اكتمال العمل. وتعتبر هذه المرحلة كنوع من المقدمة للمرحلتين التاليتين.
ويتوسع المثل في وصف المرحلة الثانية، يتأنى الـراوي لكـي يحث المستمع على التأني مثله. وبطـل هذه المرحلة هو البذر وتشاركه التربة دور البطولة . ولا يُذكر الزارع، وإن ذُكر فلكي يُعلَن عن عدم مشاركته في العمل. بالنسبة له هي مرحلة تمر: فسواء نام أو قام ، ليل نهار فإنه يجهل مـا يتم أثناء هذه الفترة : لا يدري كيف يكون ذلك.
أما بالنسبة للبذر فهي مرحلة هامة جداً. إنه زمن النمو: ينبت وينمي . كما أنها فترة لا تقل أهمية بالنسبة للأرض (التربة). إنها مرحلة عمل ونشاط ، فهي من نفسها تعمل على تغييرات غير عادية : إنها تخـرج العشـب أولاً ثم السنبل ثم القمح الذي يملأ السنبل.
يظهر الزارع مرة أخرى في المرحلة الثالثة حتى وإن كان المثل لا يذكره صراحة: يُعمَل فيه المنجل. نلاحظ جيداً أنه لا يذكر الحاصد، بل يذكر آلة الحصاد وهي المنجل، والفعل مبني للمجهول.
يحيط عمل الزارع/ الحاصد مشهدان آخران، ليس فاعلهما هو الحاصد . المشهد الأول : فما أن يدرك الثمر ؛ أمـا المشهـد الثاني فهو لأن الحصاد قد حان. علينا أن نفحص هذين المنظرين بتأنٍ. لا يقول المثل: عندما يدرك الزارع/ الحاصد أن الثمر قد نضج ، إنما يقول: فما أن يدرك الثمر. والفعل اليوناني المستخدم هو "باراديدوناي" الذي يعني يسمح، يهب، يمنح.
إنها صورة رائعة: الثمر هو الذي يمنح ذاته للإنسان والإنسان لا يفعل شيئاً إنه لا يعمل بل يقبل الثمر. الزرع هو الذي يقوم بكل شيء: فهو الذي ينبت وهو الذي ينمي وهو الذي ينضج وهو الذي يهب نفسه للإنسان في الحصاد.
وعند الحديث عن أوان الحصاد يستعمل المثل فعلاً في الماضي parfait وفي ذلك اشارة لشيء يدنو ويبقى ويستمر. إنها مرحلة ثبات وليست مرحلة عابرة. إن زمن الحصاد طويل ولكنه في نفس الوقت زمن يجب انتهازه واغتنامه.تقتضي المفردات المستعملة السرعة "فما أن.... سريعاً". إنه زمن يبقى وفي نفس الوقت يدعو للعجلة. "حان الوقت" (مر 15:1).
أوجه الثقة
إلى هنا استعرضنا المثل وقسمنا فتراته وصوره وأزمنته. الشيء الواضح والأكيد هو تركيز الانتباه على المرحلة الوسيطة ما بين بذر الحب وحصاد المحصول. إلا أن زوايا النظر متعددة.
يبدو أن التشبيه يركز على التناقض بين فترتين: فترة نشاط الزارع / الحاصد وهي فترة قصيرة جداً، سواء بالنسبة لزرع البذور أو لجمع المحصول، وفترة نشاط وعمل ونمو الزرع وهي فترة طويلة، تتم بعيداً عن الأعين، في سرية تامة في جوف التربة.
يتوقف التشبيه طويلاً عند هذه الفترة لدرجة تثير الدهشة وبعض الصعوبات: لماذا يتأخر البذر في الإعلان عـن نفسه بعد وقوعه في التربة http://127.0.0.1/vb/images/smilies/2anipt1c.gif ما معنى هذا الزمن الذي يطول جداً، والذي فيه يبدو كل شيء ساكناً ولا يُرى فيه شيء، ويبدو أن الله نفسه يصمتhttp://127.0.0.1/vb/images/smilies/2anipt1c.gif.
يجيب التشبيه على هذه التساؤلات على النحـو التالي : هذه المرحلة الوسيطة هي أهم مرحلة. إنها فترة النمو والتغييرات العجيبة، إنه زمن حاسم ، زمن عمل الله وليس زمن غيابه. الزارع/ الحاصد هو الذي يظل بلا عمل، أما البذر أو الزرع فهو يموج نشاطاً. فإذا كان كل شيء يتم بعيداً عن الأنظار، بطريقة سرية، فلا يعني ذلك أن الله يصمت ، بل يعني أنه يتكلم بطريقة مختلفة عما نتصوره نحن واعتدنا عليه.
بالتالي لا مجال لخيبة الأمل ولا الاضطراب ولا لنفاذ الصبر. إنها فترة انتظار واثق: هذا هو الدرس. ولكن هذه الثقة ليست سهلة المنال. يطالب المؤمنون دوماً بالنظر: "يارب أرنا الآب وحسبنا" ( يو8:14 ) "مادمت تعمل هذه الأعمال فاظهر نفسك للعالم" (يو 4:7).
ولا يتوقف الراوي على التناقض القائم بين طول فترة الانتظار وقصر فترة العمل، بين العمل الظاهر وبين العمل الخفي. إنه يتوقف عند تناقض آخر وهو عدم نشاط الزارع من ناحية، والنشاط المستمر للبذر والأرض، من ناحية أخرى. والجانب الأكثر أهمية هو قدرة الزرع على النمو. رسالة المثل تقوم في أن الزارع لا يستطيع أن يفعل شيئاً من ذاته.
الأرض تثمر من نفسها، بطريقة غير منظورة وبدون مبررات ظاهرية. ولا يشير المثل هنا إلى قدرة الطبيعة، إنما يشير إلى عمل الله الإعجازي : فالأرض تثمر بفضل عمل الله المعجز والإعجازي. هذا هو معنى المثل ومغزاه. وكذلك ملكوت الله هو عمل إلهي لا يتوقف، غير ظاهر، مستقل وعجيب.
الملكوت ذاته الكامن في التاريخ، مثل البذرة، يتحقق من ذاته، ولا يحققه البشر. وبهذا يتحرر التلميذ من الارتباك غير المجدي. ليس دوره هو أن يضمن نجاح الملكوت إذ يقتصر دوره على إعلان البشارة، وعلى الحصاد، عندما يحين الوقت.
الذي يحدد زمن الحصاد هو الثمر ذاته، وليس الحاصد. وليس معنى ذلك أن يخلد التلميذ للسلبية وعدم المشاركة والمساهمة، لأنه لا توجد أية اشارة ليسوع تدعو لذلك. يدعو هذا التشبيه كل المسيحيين إلى الانتظار الواثق . لأن ملكوت الله ليس شأن البشر، بل شأن صاحبه: الله. إنه لا يمكن التعجيل به، كما حاول أن يفعل ذلك الغيورون، أيام المسيح، وكما يحاول أن يفعل بعض المسيحيين في كل زمن. ملكوت الله ليس مسألة تنظيم وكفاءة إنما استقبال وقبول.