PDA

View Full Version : علامات مجيء الملكوت



بنت المسيح
10-04-2024, 04:30 AM
http://loveyou-jesus.com/up/uploads/fa11baa834.gif





علامات مجيء الملكوت
حديث السيِّد المسيح عن مجيء الملكوت السماوي يشغل أذهان الكثيرين بكونه حديثًا نبويًا، أعلن عن مجيء الملكوت الأخروي، ومجيئه في كنيسة العهد الجديد، كما يمتزج بمجيئه داخل النفس.
1. هدم الهيكل القديم 1-2.
2. ظهور مسحاء كذبة 3-5.
3. قيام حروب وكوارث 6-7.
4. حدوث مضايقات 8-10.
5. ظهور أنبياء كذبة 11-14.
6. رجسة خراب الهيكل 15.
7. وصايا للدخول في الملكوت 16-20.
8. الضيقة العُظمى 21-22.
9. ظهور مسحاء كذبة 23-28.
10. انهيار الطبيعة 29.
11. ظهور علامة ابن الإنسان 30-31.
12. مثل شجرة التين المخضرّة 32-34.
13. تأكيد مجيئه 35-36.
14. الاستعداد لمجيئه 37-40.
15. مثَل العبد والسيِّد القادم 41-51.
1. هدم الهيكل القديم
"ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل،
فتقدّم تلاميذه لكي يروه أبنية الهيكل.
فقال لهم يسوع: أما تنظرون جميع هذه،
الحق أقول لكم أنه لا يُترك ههنا حجر على حجر لا يُنقض" [1-2].
كان اليهود يتطلّعون إلى الهيكل بكونه علامة ملكهم، فهو الموضع الوحيد الذي فيه يُعلن الله مجده ويتقبّل من أيدي مؤمنيه الذبائح والتقدمات. أينما وُجد المؤمن، وحلت به ضائقة، تطلّع نحو الهيكل لينعم بعونٍ إلهيٍ. وكانت أبنية الهيكل بضخامتها علامة عظمة ملكوتهم، لهذا أراد التلاميذ أن يُرُوا السيِّد المسيح هذه المباني، لكن السيِّد أكّد لهم: "لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض". فماذا أراد السيِّد بكلماته هذه؟
كان الهيكل مع قدسيَّته قد تحوّل في حياة اليهود بسبب ريائهم وفكرهم المادي إلى عقبة أمام العبادة الروحيّة. فقد انشغلوا بعظمة الهيكل الخارجي عن قدسيَّة هيكل القلب الداخلي، فكانوا يهتمّون عبر العصور بإصلاح المباني لا القلب، الأمر الذي كرّس أغلب الأنبياء حياتهم لتصحيح هذا المفهوم خاصة إرميا النبي. فمن كلماته المشهورة: "لا تتّكلوا على كلام الكذب، قائلين: "هيكل الرب، هيكل الرب هو" (إر 7: 4). وجاء بعده حزقيال النبي يُعلن لهم ثمرة اهتمامهم بالمبنى دون الحياة الداخليّة أن مجد الرب يفارق البيت (حز 10: 18-19)، بل ويفارق المدينة كلها (حز 11: 22-23).
ما قاله السيِّد قد تحقّق حرفيًا عام 70م. حين أصرّ الجنود الرومان تحت قيادة تيطس على هدم الهيكل تمامًا، وكان ذلك إعلانًا عن قيام الهيكل الجديد لكنيسة العهد الجديد بمفاهيم جديدة.
على أي الأحوال، هذا هو عمل الروح القدس في مياه المعموديّة أن يحطم إنساننا القديم، فلا يترك حجر على حجر من أعماله الشرّيرة فينا، ويقوم هيكل جديد ليس من صنع أيدينا، هو الإنسان الجديد على صورة خالقنا. هذا العمل هو بداية حلول الملكوت فينا، وعربون للتمتّع بالملكوت الأخروي، خلاله ننتظر بفرح مجيء الرب كعريسٍ لنفوسنا.

2. ظهور مسحاء كذبة

"وفيما هو جالس على جبل الزيتون تقدّم إليه التلاميذ على انفراد، قائلين:
قل لنا متى يكون هذا؟
وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟
فأجاب يسوع، وقال لهم: انظروا لا يضلّكم أحد.
فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين:
أنا هو المسيح، ويضلّون كثيرين" [3-5].
إن كان الله في إقامته للملكوت يُعلن ذاته فينا، حاسبًا إيّانا هيكله المقدّس، فإن عدوّ الخير لا يواجه هذا الأمر بالصمت، بل بالأحرى تزداد حربه ضدّنا. وكما يُقيم المسيح ملكوته فينا، يرسل الشيطان مضلِّلين مُدَّعين أنهم مسحاء لكي يقيموا مملكة إبليس داخل الإنسان.
لقد عبَّر التلاميذ بسؤالهم عن مجيء الرب الأخير عما يدور في أذهان البشريّة في كل العصور، وهو رغبتهم في معرفة المستقبل وتحديد الأزمنة. لكن السيِّد لم يحدّد مواعيد، مكتفيًا بتقديم العلامات، لا ليعرفوا الأزمنة، وإنما لكي لا يخدعهم المسحاء المضلّلون، الذي يظهرون لأجل مقاومة الحق تحت ستار الدين نفسه.
لقد تحوّل كثير من الكتاب الدينيّين ودارسي الكتاب المقدّس المعاصرين إلى الانشغال بتحديد أزمنة مجيء السيِّد، بل وقامت بعض الطوائف هي في حقيقتها غير مسيحيّة مثل شهود يهوه تحوّل كلمة الله من كلمة للخلاص والتمتّع بالملكوت السماوي، كملكوت حاضر داخل القلب إلى مناقشات فكريّة عقيمة تسحبنا إلى مجادلات فكريّة تخص تحديد الأزمنة، الأمر الذي يرفضه السيِّد تمامًا.
لقد أوضح السيِّد غاية حديثه هذا عن علامات مجيئه في نهاية الاصحاح، ألا وهو السهر الدائم وانتظار مجيء الملكوت على الدوام، أي تهيئة النفس لملاقاة العريس الأبدي لتدخل معه في شركة أمجاده.

3. قيام حروب وحدوث كوارث عامة
"وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب.
انظروا لا ترتاعوا، لأنه لابد أن تكون هذه كلها،
ولكن ليس المنتهى بعد.
لأنه تقوم أُمَّة على أُمَّة، ومملكة على مملكة،
وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن.
ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع" [6-8].
ليس عجيبًا أن تكون علامات مجيء السيِّد في مجموعها تمثِّل جوانب متعدّدة من الآلام والأتعاب والكوارث، فإن هذا هو الطريق الذي يهيئ لمجيئه، كيف؟ كلما أدرك عدوّ الخير أي الشيطان أن مملكة المسيح قادمة على الأبواب ازدادت حربه ضدّ المؤمنين لكي يقتنص ما استطاع كأعضاء في مملكته مقاومين مملكة المسيح. في هذا كلّه يزداد المؤمنون الساهرون والحكماء قوّة وثباتًا فيتزكّون، وكأنه خلال هذه المتاعب يملأ الشيطان كأس شرّه، وتمتلئ كأس المجاهدين بركة، فتقترب النهاية لكي ينال الشيطان وجنوده ثمار شرّهم ويتمتّع المجاهدون الحقيقيُّون بالإكليل.
أما بدء هذه الآلام التي يثيرها عدوّ الخير فهي تهيئة جوّ خانق للنفس من حروب وأخبار حروب وانقسامات على مستوى الأمم والممالك، وظهور أوبئة، وحدوث زلازل الخ. إنه يريد أن يحطَّم نفسيَّة الناس، فيرون إخوتهم كأشرار منقسمين يثيرون الحروب، فيعيشون في رعب خائفين من الحرب. والذين لا تلحقهم الحروب يتعرّضون للأوبئة والأمراض فيرتبكون خائفين على حياتهم الزمنيّة. وإن هربوا من الأمراض تلاحقهم الزلازل التي تتم فجأة. إن هدف عدوّ الخير أن يشغل المؤمن بعيدًا عن الفرح بمجيء المسيح، فيلهيه بالمشاكل الإنسانيّة (الحروب) والصحيّة بل والطبيعية (الزلازل)، وكأن العالم كلّه قد اسوَّد في عينيه، ليس من معين ولا من سند له.
إن تركنا المعنى الحرفي لنتأمّل في تمتّعنا بملكوت الله داخلنا، فإنّنا نلاحظ إنه ما أن يقترب المؤمن بالروح القدس نحو مسيحه حتى يجد عدوّ الخير يشغله بمشاكل كثيرة، تخص الآخرين أو جسده أو العالم المادي المنظور، فتلهيه عن خلاص نفسه وتفكيره في الملك المسيح.

4. حدوث مضايقات
"حينئذ يسلّمونكم إلى ضيق، ويقتلونكم،
وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمي.
وحينئذ يعثر كثيرون، ويسلّمون بعضهم بعضًا،
ويبغضون بعضهم بعضًا" [9-10].
إذ يتقبّل الإنسان ملكوت الله داخله ينتقل من الضيقة العامة، أي الجو الخارجي الذي يثيره العدوّ ضدّ الملكوت بقصد إرباك المؤمنين وشغلهم عن المسيح، ليدخل بهم إلى ضيقات خاصة بهم، فيهيّج العدوّ الآخرين عليهم لمضايقتهم وقتلهم، لا لذنب ارتكبوه، وإنما من أجل "اسم المسيح"، وهذه هي جريمتهم. فالضيقة هي إحدى ملامح الطريق الأساسية للملكوت، إذ يمتلئ القلب من الداخل فرحًا بالمسيح الساكن فيه، بينما يُعصر في الخارج بالضيق.

5. ظهور أنبياء كذبة

"ويقوم أنبياء كذبة كثيرون، ويضلّون كثيرين،
ولكثرة الإثم تبرد محبّة الكثيرين،
ولكن الذي يصير إلى المنتهى فهذا يخلّص.
ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم،
ثم يأتي المنتهى" [11-14].
هذا هو السهم الثالث الذي يصوِّبه عدوّ الخير ضدّ أبناء الملكوت. السهم الأول هو خلق جو عام قابض للإنسان يسحبه بعيدًا عن حياته الداخليّة، السهم الثاني هو تصويب الضيق إليه شخصيًا من أجل المسيح، أمّا الثالث وهو الأخطر فهو تصويب السهم ضدّ الإيمان، لينحرف به بعيدًا عن مسار الملكوت. فإن كان من الجانب التاريخي يظهر أنبياء كذبة يضلّلون الكثيرين، فإن هذا أيضًا يمكن أن يأخذ صورًا متعدّدة، كظهور فلسفات جديدة، ربّما تختفي وراء الدين، غايتها أن تقدّم أفكارًا برّاقة فلسفيّة وأخلاقيّة بعيدة عن الحياة مع المخلّص واختبار عمل الروح القدس الناري فينا. إنهم يلبسون ثوب النبوّة أو التديّن، لكنهم مضلِّلون يقودون النفس بعيدًا عن سرّ حياتها الحقيقي.
ويظهر ثمر هؤلاء الأنبياء الكذبة عمليًا إذ تبرد محبّة الكثيرين، فيصير التديُّن كلمات جوفاء ومعرفة ذهنيّة وفلسفات بلا روح. يفقد الإنسان قلبه، فلا يقدر أن يحب الله والناس بل يبقى كائنًا جامدًا. إن كان عمل إبليس هو بث البرود الروحي في حياة الناس، خاصة خلال الأنبياء الكذبة، فإن الله هو وحده الذي ينزع هذا البرود. وكما يقول القدّيس جيروم: [إن كان الله نارًا، فهو نار لكي يسحبنا من برود الشيطان... ليت الله يهبنا ألا يزحف البرود إلى قلوبنا، فإنّنا لا نرتكب الخطيّة إلا بعد أن تصير المحبّة باردة.]
هنا يقدّم لنا السيِّد وعدًا ليبعث فينا الرجاء، وهو أنه بقدر ما تنتشر الأضاليل ويخسر الكثيرون حياة الحب يعمل روح الله بقوَّة للكرازة بين الأمم في كل المسكونة. إنه صراع بين النور والظلمة، ينتهي بنصرة النور؛ مقاومة الباطل للحق تنتهي بتزكيَّة الحق ونموّه فينا.

6. رجسة خراب الهيكل
في العبارات السابقة حدّثنا السيِّد عن نهاية الهيكل وخراب أورشليم بطريقة خفيَّة، أمّا هنا فيتحدّث علانيّة، إذ يقول: "فمتى نظرتم رِجْسَة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدّس، ليفهم القارئ" [15].هكذا كان السيِّد المسيح يدعوهم لقراءة سفر دانيال (9: 27)، ليتأكَّدوا من خراب الهيكل اليهودي.
ما هي رِجْسَة الخراب هذه؟
أولاً: يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [أنها تعني الجيش الذي به خربت أورشليم]؛ نقلاً عن كلمات السيِّد نفسه: "ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش، فحينئذ اِعلموا أنه قد اِقترب خرابها" (لو21: 20). فقد دخل الأمم الهيكل ودنَّسوه بل وحطَّموه تمامًا، وكان ذلك علامة نهاية الملكوت الحرفي، وقيام الملكوت الروحي.
ثانيًا: يقول القدّيس جيروم: [يمكن أن تفهم عن تمثال قيصر الذي وضعه بيلاطس في الهيكل أو (تمثال) هادريان الفارسي الذي أُقيم في قدس الأقداس... في العهد القديم يُدعى التمثال بالرِجْسة، وقد أضيفت كلمة "خراب"، لأن التمثال قد وُضع في وسط الهيكل المهجور.] وقد أخذ القدّيس يوحنا الذهبي الفم بذات الرأي أيضًا.
ثالثًا: يرى القدّيس هيلاري أسقف بواتييه أن هذه الرِجْسَة إنّما تُشير لما يحدّث في أيام ضد المسيح إذ يقول: [أعطى الله علامة كاملة عن مجيئه الأخير، إذ يتحدّث عن أيام ضدّ المسيح. يسمِّيها رِجْسَة لأنه يأتي ضدّ الله ناسبًا كرامة الله لنفسه. إنها رِجْسَة خراب لأنه يدمر الأرض بالحروب والقتل. يقبله اليهود، فيأخذ موقف التقدّيس، وفي الموضع الذي تقام فيه صلوات القدّيسين يستقبلون الخائن كمن هو مستحق لكرامة الله. وإذ يصير هذا الخطأ شائعًا بين اليهود فينكرون الحق ويقبلون الباطل، لذلك يطلب الله (من شعبه) أن يتركوا اليهوديّة ويهربوا إلى الجبال حتى لا يعوقهم أتباعه ولا يؤثِّرون عليهم.]

7. وصايا للدخول في الملكوت
"فحينئذ ليهرب الذين في اليهوديّة إلى الجبال،
والذي على السطح، فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئًا،
والذي في الحقل، فلا يرجع إلى ورائه ليأخذ ثيابه،
وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام،
وصلّوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت" [16-20].
من الجانب التاريخي إذ رأى المسيحيّون الذين في أورشليم الرومان يحاصرونها أدركوا ما سيحل بها من خراب، كقول الرب فهربوا سريعًا. وهذا ما يحدث عند مجيء ضدّ المسيح كما رأينا في كلمات القدّيس هيلاري السابقة، فإذ تراه الكنيسة قد أقام نفسه إلهًا في هيكل الرب (2تس1-4) تهرب إلى البرّيّة "حيث لها موضع مُعد من الله، لكي يعولها هناك ألفًا ومائتين وستين يومًا" (رؤ 12: 6).
وفي حياتنا الروحيّة إذ نرى هيكل الحرف ينهار في داخلنا، يلزمنا أن نهرب من اليهوديّة إلى الجبال، أي من حرفيّة اليهود في فهم الوصيّة إلى انطلاقة الروح العالية لتدخل إلى الفهم السماوي. وكما يقول العلاّمة أوريجينوس: [ليت الذين ينظرون هذا يهربون من حرف اليهوديّة إلى جبال الحق العالية. وإن صعد أحد إلى سطح الكلمة ووقف على قمّتها فلا ينزل ليطلب شيئًا من بيته، وإن كان في الحقل حيث يختبئ فيه الكنز فلا يرجع إلى الوراء، بل يجري من خطر خداع الكلمة الباطلة (ضد المسيح)، ويكون هذا على وجه الخصوص متى خلع ثوبه القديم فلا يرتدّ إليه ليلبسه مرّة أخرى.]
الجبال كما يقول القدّيس أغسطينوس: تشيرإلى النفوس العالية أو إلى القدّيسين حيث تستند التلال (النفوس الصغيرة) عليها. وكأن دعوة السيِّد المسيح للهروب هنا هي دعوة للالتصاق بالقدّيسين والشركة معهم.
يوصي السيِّد مَنْ كان قد ارتفع بالروح القدس من طابق إلى آخر كما من مجدٍ إلى مجدٍ حتى بلغ السطح ليرى السماء قدام عينيّه واضحة ومكشوفة، لا تعوقها الأسقف الطينيّة أي الأمور الزمنيّة، فلا ينزل ثانية لتبقى حياته في حالة صعود بلا نزول، مع انتظار على السطح لرؤية السيِّد قادمًا على السحاب فلا يعود يطلب الأمور الزمنيّة التي هي سُفليّة.
v السطح هو أعلى مكان في البيت، قمّة المبنى وكماله، لذلك من يقف عليه يكون كاملاً في قلبه، متجدِّدًا، غالبًا في الروح، ليحتفظ لئلا ينزل إلى الأمور الدنيا ويشغف بالممتلكات الزمنيّة.
القدّيس هيلاري أسقف بواتييه
v لنحذر في الضيقة من النزول عن المرتفعات الروحيّة ونرتبط بالحياة الجسدانيّة. ومن تقدّم لا ينظر إلى الوراء فيطلب الأمور الأولى ويتردّد راجعًا إلى الأمور السُفليّة.
القدّيس أغسطينوس
v من له ثوب المسيح فلا ينزل من السطح ليحضر ثوبًا آخر.
v لا تنزل من سطح الفضيلة لتطلب الملابس التي كنت ترتديها قديمًا، ولا ترجع من الحقل إلى البيت.
القدّيس جيروم
v إن كان أحد على السطح، أي سبق فصعد إلى القمة حيث الفضائل العُظمى، فلا يعود ينزل إلى أعماق الأرض وهذا العالم. على السطح وقفت راحاب الزانية، رمز الكنيسة، واتّحدت في شركة الأسرار نيابة عن شعوب الأمم. خبَّأت الجاسوسين اللذين أرسلهما يشوع (يش 2: 1)، فلو نزلا إلى أسفل البيت لقتلهما الذين أُرسِلوا للقبض عليها. إذن السطح هو قمّة الروح حيث يتحصَّن الإنسان من ضعف الجسد الخائر بلا قوّة. هنا أفكر في المفلوج الذي حمله أربعة رجال ودلُّوه من السطح!... لنتبع بطرس الذي شعر بالجوع فصعد إلى سطح المنزل (أع 10: 9)، فهناك عرف سرّ نشأة الكنيسة، فما كان ينبغي له أن يحكم بنجاسة شعوب الأمم، لأن الإيمان يقدر أن يطهّرها من كل دنس... فإن كان بطرس لم يقدر أن يدرك هذا السرّ وهو أسفل، فكيف تستطيع أنت أن تفهمه (ما لم ترتفع إلى السطح)؟! لقد أدركه بطرس إذ صعد ليبشّر بالرب (إش 40: 9).
القدّيس أمبروسيوس
ومن كان في الحقل الإلهي يعمل لحساب السيِّد المسيح فلا ينظر إلى الوراء، مرتبكًا حتى بضروريَّات الحياة كالأكل والشرب والملبس، إنّما ينسى ما هو وراء ويمتد إلى ما هو قدام، ناظرًا جعالة الله العُليا. النفس التي خلعت ثوب أعمال الإنسان القديم وانطلقت إلى الحقل تعمل لحساب المسيح لا ترتد إلى الوراء لترتديه مرّة أخرى، بل تتمثل بيوسف بن يعقوب، إذ يقول القدّيس جيروم: [ليتك بالأحرى إن أمكنك أن تتمثل بيوسف، فتترك ثوبك في يد سيِّدتَك المصريَّة وتتبع ربَّك ومخلّصك عاريًا.]
v من كان في الحقل فلا يرجع إلى الوراء. ما هو هذا الحقل؟ لقد أعلمني إيّاه يسوع بقوله:"ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لو 9: 12)... لتحرس حقلك إن كنت تريد بلوغ ملكوت الله، فيزهر لك أفعالاً صالحة خصبة، ويكون لك بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك (مز 127: 3)... ليدخل الرب يسوع في الحقل: "تعال يا حبيبي لنخرج إلى الحقل" (نش 7: 11). فيقول: "دخلتُ إلى جنَّتي يا أختي العروس قطفتُ مُرّي مع طيبي، أكلتُ شهدي مع عسلي" (نش 5: 1). هل يوجد محصول أفضل من محصول الإيمان الذي يثمر أعمالاً صالحة ترتوي بينبوع الفرح الأبدي؟!
إن كان قد منعك من النظر إلى الوراء، فبالأحرى يمنعك من الرجوع لتأخذ ثوبك. فمن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فأترك له الرداء أيضًا (مت 5: 40)، فيليق بك لا أن تترك الخطايا فقط، بل وتمحو كل ذكرى لأعمالك السابقة، فكان بولس ينسى ما هو وراء (في 3: 13)، يخلع عنه الخطيّة ولا يترك التوبة.
القدّيس أمبروسيوس
خلال هذا الجهاد الحيّ الذي فيه نهرب من يهوديّة الحرف إلى حرّية الجبال المقدّسة، نرتفع على السطح لنرى السماوات مكشوفة، فلا ننشغل بغير مجيء المسيح الأخير، نعمل في الحقل ممتدِّين إلى قدَّام بلا تراجع من أجل الدخول في الأبديّة. يُعلن السيِّد الويْل للحبالى والمُرضِعات. من هن هؤلاء الحبالى إلا النفوس التي وإن عرفت السيِّد المسيح لكن ثمر الروح لم يُعلن بعد فيها، والمُرضِعات هن اللواتي يبدو ثمرهن كرضع صغار. مثل هؤلاء اللواتي بلا ثمر عملي أو قليلي الثمر لا يقدرن على مواجهة الأيام الصعبة خاصة أيام ضد المسيح قبل مجيء المسيح.
v النفس التي حبلت ولم تلد ثمرة الكلمة تسقط تحت هذا الويل، إذ تفقد ما حبلت به وتصير فارغة من رجائها في أعمال الحق. وأيضًا إن كانت قد ولدت لكن أطفالها لم ينتعشوا بعد.
العلاّمة أوريجينوس
ويرى بعض الآباء أن الحَبَل هنا إنّما هو الالتصاق بالخطيّة ليحمل الإنسان في داخله ثمر المُرّ، أمّا المُرضِعات فهنَّ النفوس التي أثمرت فيهن الخطيّة ثمارًا مُرّة. هؤلاء جميعهنَّ لا يستطعنَ الخلاص من ضد المسيح.
v لا يفهم هذا على أنه تحذير من ثِقل الحَبَل، وإنما يُظهر أثقال النفس المملوءة بالخطايا، التي لا تستطيع أن تهرب من السطح أو الحقل حيث يحلّ غضب الله. أيضًا ويل للمُرضِعات، إذ يَظهرنَ المتخلّفين في معرفة الله كمن يرضعْن لبنًا، ويل لهم لأنهم سيكونون ضعفاء جدًا غير قادرين على الهروب من ضدّ المسيح، غير مستعدين على مجابهته، إذ لم يتوقّفوا عن الخطيّة ولا أكلوا خبز الحياة.
القدّيس هيلاري أسقف بواتييه
v الحَبالى هم الذين يطمعون فيما ليس لهم، والرُضَّع هم الذين نالوا بالفعل ما طمعوا فيه، هؤلاء يسقطون في الويْل في يوم الدينونة.
القدّيس أغسطينوس