الرسالة البابوية الثانية في عيد الميلاد المجيد

باسم الأب والابن والروح القدس إله واحد أمين
من كيرلس السادس
بنعمة الله بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية :
إلي أخوتنا الأحباء صاحب الغبطة بطريرك جاثليق أديس أبابا وكل أثيوبيا وأصحاب النيافة مطارنة وأساقفة الكرازة المرقسية وإلي أبنائنا الأعزاء الكهنة والشمامسة وكل الشعوب المحبة للمسيح . ( ربنا نفسه يسوع المسيح والله أبونا الذي أحبنا وأعطانا عزاء أبديا ورجاء صالحا بالنعمة يعزي قلوبكم ويثبتكم في كل كلام وعمل صالح )
( تسالونيكي 2 : 16 ـ 17 ) . ولما جاء ملء الزمان الذي عينه الله في سابق علمه ولد المسيح له المجد ...
ولد رئيس السلام ... فأضحي ميلاده المجيد بداية لعهد جديد ... فاليوم عيد ... وفي العيد تجديد ... وفي التجديد تشييد . ونحن اذ نحتفل بالعيد نحس أن العيد ليس مجرد تقليد وا نما هو إثاره لذكريات مجيدة ... عندما ننحصر بالروح متأملين في البركات التي أتتنا والنعيم التي غمرتنا السعادة التي أحاطت بنا والسلام الذي تغلغل في داخلنا ... ( نذكر حبه ) ( نشيد الأنشاد 1 : 4 ) فنحمد جوده نهتف بحمده ونسجد لجلال مجده ..
لقد أشرق نوره الوضاء فبدد ظلمات الجهل التي تخبطت فيها البشرية قرونا وأحست النفس أنها أفلتت من عقال الخطية ... واذ تركزت علي صخرة الدهور وصارت هي بذاتها إشعاعا للنور ينقله جماعة المؤمنين من دور إلي دور .. فخليق بنا ونحن نذكر ميلاد ربنا أن نتأمل في تمهل .. كم صنع بنا من خير وكم سكب علينا من بر وكم أفاح من طهر ...
وليكن شعارنا فى العيد .. المسيح حياتنا ( لى الحياة هى المسيح ) (فيلبى 1 : 21 ) إنه شعار التجديد .. تجديد فى الذهن وتجديد فى الأتجاه .. تجديد فى الشعور .. وتجديد فى الأنتاج ( لنتغير عن شكلنا بتجديد أذهاننا لنختبر ماهى إرادة الله الصالحة لمرضية الكاملة ) ( رومية 12 : 2) فنجدد عهودنا لإلهنا وتعهداتنا لجلاله بإطاعته وحفظ وصاياه ، ثم العمل على بعث وعى جديد لكل من نستطيع أن نصل اليه ليتجدد هو بدوره حتى يتذوق عذوبة عشرته ، وينعم بحلاوة شركته ويتفأ فى ظلاله ، ويتذوق شهى ثمرته ..
هذا التجديد ينبع من فيض نعمة الله متدفقاً فى قلوب الرعاة .. الذين يعطون انفسهم قدوة للرعية ومثلاً حياً للشعب .. يؤدون خدماتهم فى لذة ، وعظاتهم فى اقتناع ، وصلواتهم فى خشوع ( يضئ نورهم هكذا قدام الناس لكى يرى الناس أعمالهم الحسنة ويمجدوا أباهم الذى فى السموات ) ( متى 5 : 16 )
ومن ثم تشرق هذة الأضواء على الأفراد و الأسر والجماعات .. فيحس المؤمن أنه متمتع بالسلام الكامل حتى إبان المحن والتجارب .. يترسم خطوات السيد له المجد فى التسليم الذى يؤدى الى السلام ، وسعيدة هى النفس التى تعرف ينابيع القوة ومصادر السلام فى السجود لله بالروح والحق .. فى الدراسات فى كلمة الحياة .. وفى التأملات فيما لله.
وتجديد يشمل الأسرة ويجعلها مرتبطة رباطاً وثيقاً كما وضعها السيد له المجد .. ( الرجل رأس عمله والمرأة جسد لا يقوى على فصلهما أحد مادام الاثنان على قيد الحياة .. والروحانية اذ تغلغلت فى الأسرة قضت على كل ما يهدد كيانها ، وأمنت الزوجين والبنين والبنات تأمنياً كاملاً ضد الشر والتفكك والأنحلال .. فتصبح الأسرة النموذجية المشبعة بالروحانية تنشئ الغروس النامية فى بستان الحياة بل فى فردوس الله .. ( امرأتك مثل كرمة مثمرة فى جوانب بيتك ، بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك ، هكذا يبارك الرب المتقى الرب ) ( مزمور 118 : 3-4 ) هذة الأسرة هى نواة المجتمع السليم ، تربى فيها الصراحة المؤسسة على الصدق ، والأخاء المنبثق من الحب ، والطهر النابع من البر والتقوى الصادرة عن الفضيلة ومن التجديد الى التشييد.
حيث تبنى صروح عظيمة على أساساً سليم متين .. صروح من الروح المعنوية والحياة الأدبية والأجتماعية ، الأمور التى لا غنى عنها لشعب ينشد التسامى والبلوغ الذروة ، ومن ثم يعرف روح الخدمة ويحقق القصد الذى لأجله ولد المسيح ( إن ابن الأنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين ) ( متى 20 : 28 ) الخدمة التى تلقيناها من المعلم والسيد ، له العظمة وله سلطان ، اذ نصب نفسه خادماً للجميع .. هذة الروح تدفع أبناه الكنيسة وبناتها الى خدمة المواطنين جميعاً .. لا فارق بين غنى فقير ، وصغير وكبير .. لا فارق بين جنس أو لون أو دين فالكل محبوبون غاية الحب ، والكل مخدومون بكل إخلاص وبكل لذة ..
لأنهم خليقة الله ، ولأنهم أخوة لنا فى الأنسانية ، ولانه ولد لأجل الجميع .. ليجذب اليه الجميع .. الخدمة الى يكون لها هدف سام ووسيلة نبيلة ، هدفها مجد الله وخلاص النفس البشرية وإسعاد الأنسانية ووسيلتها إنكار الذات والتضحية الى أقصى حدود التضحية.


كيرلس السادس
بنعمة الله بابا الاسكندريةوأقاليم الكرازة المرقسية
الرسالة رقم ( 2 )
صدر من المقر البابوي
7 يناير سنة 1961
27 كيهك 1677
عن كتاب دعوة السماء – أعداد: أبناء كاروز الديار المصرية