سأعيش لك العمر
لم يكن أحد يجرؤ أن يقف أمامي أو يرفض لي طلب ، فقد كنت أعمل وكيلة مدرسة شهيرة وكنت الآمر الناهي في كل شيء فأنا شخصية قوية ومن أسرة مرموقة ، كل ذلك زادني غرورا و كبرياء.كان كل هذا من الخارج أما في الداخل فقد كانت الصورة مختلفة ، فأنا بعيدة جدا عن الله ، أشعر أن هناك حاجزا بيني وبينه و بدل أن أحاول الاقتراب منه أزداد بعدا و أتعمد السخرية من المتدينين وإهانتهم ، ولكن كان هناك شيئا يحيرني ما هذا السلام البادي على وجوههم !! إني أبحث عنه فلا أجده مع أني أتفوق عليهم في كل المجالات.
كنت أسأل نفسي أحيانا ماذا أعمل لو مت الآن وأنا غارقة في ذنوبي
فأشعر برعب شديد وأحاول أن أنسى الأمر وأستمتع بحياتي ولكن كيف
وتارة أخرى أخاطب الله قائلة عرفني طريقك ، قربني إليك لأن داخلي عطش شديد.
وفي يوم تم تعيين سكرتيرة صغيرة تحت يدي وإذ رأيتها وديعة متواضعة ، وجهها مليء بالسلام شعرت أنها أفضل مني لذلك عمدت إلى مضايقتها بكل الوسائل وتوبيخها والسخرية منها وهى كما هي في هدوئها إلى أن أمرتها مرة أن تكذب فرفضت ، قلت لها غاضبة هل تعرفي معنى أن تتحديني
فلدهشتي أنها أجابت بثبات أنها لن تكذب مهما كلفها الأمر وهي مستعدة لتحمل أي جزاء ، استشطت غضبا ، وعدت لمنزلي وأنا أنوي الانتقام منها ولكن داخلي كنت أشعر بمشاعر متضاربة غضب ،إعجاب ، حسد ،احتقار لنفسي …
بكيت طويلا حتى لم تعد في قوة على البكاء فصليت من أعماقي : (يارب إن في داخلي نار مشتعلة لا أستطيع أن أخمدها فأرجوك أنقذني و ظللت أبكي حتى غلبني النوم )
رفعت رأسي لأرى ما يعجز اللسان عن وصفه !! قصر يشبه الخيال ، أشخاص لابسين ملابس بيضاء بهية وهم يسبحون الله وفي الوسط عرش عظيم جدا فوجدتني أسجد للجالس على العرش وأنا أشعر بمزيج من الرهبة والفرح الخوف والسلام لا أدري كيف ، ولكن من هو الجالس على العرش
لابد أن أرفع رأسي وأراه ، يا إلهي ما هذا الذي أراه ، لساني يعجز عن وصفه ، أبرع جمالا من بني البشر ، وجهه مضيء ، ما أن رفعت عيني لأراه حتى كاد يغشى علي ،شعرت أن هناك شعاعا قويا يخرج منهما ويخترق أعماق أعماقي فسقط قلبي داخلي إذ أدركت أن كل شيء مكشوف أمامه ولكن لدهشتي وجدته يضع يده بكل حنان وحب ويناديني باسمي أن آت إليه ، فتعجبت جدا ورنت في أذني كلماته “تعالوا إلي يا جميع المتعبين وأنا أريحكم “.
ولكني لم أجرؤ أن أقترب إليه ، فإذا بهذا العظيم يقوم من على كرسيه ويأتي إلي…. يا إلهي أنت تأتي إلي!!! وفجأة استيقظت وأنا لا أصدق نفسي ، وظللت أبكي بشدة وأقول له أحبك يا ربي من كل قلبي من كل كياني و سامحني على ذنوبي وخطاياي الكثيرة لقد عاندت كثيرا وهربت منك ولم أدر أنى كنت أهرب من طريق خلاصي ، سأعيش لك العمر كله ، ولكن كيف أستطيع أن أكفر عن ذنوبي
رنت في أذني كلماته ثانية: فقط تعالي إلي وشعرت بسلام لم أشعر به طول حياتي وقررت أن أذهب للكنيسة وأبدأ حياة جديدة وعند عودتي ذهبت لسكرتيرتي الحبيبة سبب خلاصي وعانقتها طويلا.
مرت الأيام وأنا أواصل الليل بالنهار ، لا أرى غير عينيه المضيئتين ولا أسمع غير صوته الحنون ، يا لعظم محبتك لي يا إلهي ، أنت تشملني بحبك وكأنه لا يوجد على الأرض من تحبه سواي ، كل يوم يمر علي يزداد شوقي إليك وإلى معرفتك وإلى قراءة إنجيلك والذهاب إلى بيتك.
بعد لقائي برب المجد أصبح العالم كله لا شئ
لا يوجد على الأرض شيء يساوي نقطة من دموع الحبيب
معه لا أريد شيئا على الأرض
فيه الحب والسلام والشبع والأمان
سأعيش لك العمر
وإذ لم يزل بعيدا رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله. لو 15 :20