إنهم يتحدثون القبطية
حالة نادرة فى القرن الواحد والعشرين

أسرة لا تتحدث إلا اللغة القبطية ...!
تحقيق: تيريز كمال
نشرت بمجلة "الحياة القبطية الأرثوذكسية" الصادرة فى قبرص - العدد38 - صفحة 26

اللغة القبطية لغة صامدة قوية عانت كثيرا من التدهور وعدم الاعتناء حتى كادت أن تصبح لغة ميتة. القبطية ليست المسيحية كما يعتقد غير الأقباط فى منطقتنا فالقبطية هي قومية قدماء المصريين منذ فجر التاريخ وهي لغة قدماء المصريين منذ فجر التاريخ. كما أنها ليست لغة صلاة وترديد ترانيم وألحان محفوظة بل هي لغة حية ثرية غنية بتعبيرات شاعرية دفيئة ومن المعروف والمسلم به أن حافظة اللغة القبطية هي الكنيسة القبطية التي تردد بها ألحانها وطقوسها والبعض يحرص على حفظ هذه القطع من اللغة القبطية ولكن أن تكون اللغة القبطية هي لغة الحياة الاجتماعية اليومية لأسرة قبطية حقيقية في القرن الواحد والعشرين فهذا شيئ صعب التحقيق في دولة لغتها الرسمية هي لغة العرب .
إن أسر كهذه هي أسر قبطية من طراز نادر لأنها حرصت أن تعلم أبناءها لغة بلدهم الحقيقية لتأصل فيهم الوطنية الحقة والانتماء الحقيقي وتعمق جذورهم في أرض آباءهم وأجدادهم . وهذا ما يأمل أي مجتمع أن ينشئ أجياله الجديدة كأجيال تعشق بلادها وتراثها الحقيقي الأصيل و تعتز به إنها أسرة مصرية حقيقية أصيلة ولا شك .. تعتز بمصريتها الحقة ... وتعشق اللغة القبطية أعظم لغة فى التاريخ إنها لغة أعظم حضارة فى التاريخ ذلك ليس لأنها لغة المسيحيين ولكن لأنها لغة أجدادنا العظام فكما تعتز الدولة بالآثار المعمارية و الفنية لآبائنا العظام وتنشر صورها فى كل مكان فى العالم جذبا للسائحين لماذا لا تحافظ هذه الدولة على كيان لغة تنطق بأصالة بلادنا ودفء معانيها الجميلة
هي أسرة سكندرية تعيش فى مدينة الإسكندرية الجميلة وتتكون من أب وأم قبطيين أصيلين لهم أحد عشر ابن وابنة... الأبناء هم : نيافة الانبا ديمتريوس أسقف ملوي؛ القس بيجول باسيلي " راعى الكنيسة القبطية بفرانكفورت" ؛ نيافة القس كيرلس باسيلي " من رعاة الكنيسة القبطية بهولندا" الدكتور فايز باسيلي والمهندس فيكتور باسيلي والمهندس ماهر باسيلي "بالاسكندرية" وأُمنا يوستينا وتاسونى أنجيل "زوجة المتنيح القمص بيشوى كامل" وابنتان متزوجتان إحداهن فى مصر والأخرى بكندا.
هذه الأسرة رغم عددها الكبير إلا أن أبناؤها متميزون فى تنشئتهم فقد نشئوا على التربية القبطية الأصيلة والاعتزاز بقيم الحضارة القبطية لذلك فإن اللغة القبطية هي لغة التحدث الرسمي العادي بينهم داخل منازلهم أينما ذهبوا.

نيافة الأنبا ديمتريوس:
فى البداية يقول نيافة الأنبا ديمتريوس : اهتم الوالد والوالدة بالكلام باللغة القبطية فقط داخل المنزل فنطقنا باللغة القبطية كلغة أم منذ تعلمنا الكلام فى سن صغيرة جدا ولم نكن نعرف غيرها وسيلة للتخاطب وقد تلقينا قواعد اللغة القبطية من والدينا حتى نمينا على حبها لا يفصلنا عنها شيئ .

* ما الذى دفع الأب والأم إلى محبة اللغة القبطية لدرجة أن لا يتكلمون بغيرها داخل المنزل مما انشأ أبناؤهم على التكلم بها دون غيرها وهل هذا التصرف متوارث لديكم فى العائلة من الأجيال القديمة لتلك العائلة
+ أبينا باسيلي مقار بك جاء من عائلة مقار وهي عائلة عريقة فى الكهنوت القبطي والثقافة القبطية فجدنا الأكبر الذى يسميه الناس مقار اختصارا اسمه الحقيقي مقاروفيوس وكان يعيش فى القرن الخامس عشر الميلادي كان قديسا حقيقيا وهو الذى بنى دير العذراء بالجنادلة وكان الرجل وراء الدعوة لعدم السماح باندثار اللغة القبطية على ألسنة الأقباط أمام لغة العرب لمجرد أن اللغة العربية هي الطريق للوظائف والكتابة لذا فقد بدأ بنفسه وأصل فى أبناؤه وأحفاده حب هذه الحضارة وهذه اللغة لذا فقد كان والد والدتي مهتما جدا باللغة القبطية أيضا وأنا اذكر أنه كان يقص علينا طيف فى الكنيسة التي كان يصلى بها فيقول انه بمجرد دخوله الكنيسة فى إحدى المرات وجدها مليئة بأشخاص يلبسون ملابس حمراء و يتحدثون معه بلغة لا يفهمها ثم تقدم إليه شخص ما وأخبره بأنه لا يستطيع أن يكون قبطيا ما لم يفهم لغة الشهداء ففهم أنها اللغة القبطية ومن ذلك اليوم بدأ يتعلم اللغة القبطية بجد واجتهاد وأخذ إنجيلا باللغة القبطية كبداية للتعلم ونشأ أبناؤه وبناته بعد ذلك على النطق باللغة القبطية كلغة أم .

* فى رأى نيافتكم ..... ما هي أهمية أن تتحدث أسرة قبطية اللغة القبطية بدلا من أي لغة أخرى منتشرة أكثر
+ ببساطة يا ابنتي لأنها لغة الجذور وجذورنا نحن الأقباط هي أعظم حضارة فى تاريخ البشرية وبدون هذه الجذور سنفقد أصولنا ويضيع تمايزنا عن بقية البشر ولكن هذا لا يعنى أبدا أن نحدد أنفسنا فى اللغة القبطية فقط لا غير .
* ما هي علاقة اللغة القبطية بمصريتنا و وطنيتنا عموما
+ العلاقة وطيدة يا ابنتي وتمتد لآلاف السنين فاللغة القبطية هي نفسها نفس اللغة التي كان يتحدثها أجدادنا المصريين القدماء الذين أسسوا هذه الإمبراطورية العظمى حيث كانوا يسمون تلك اللغة "كتاب الحياة" وقد أطلق عليها العلماء أنها لغة هيروغليفية لأنها كانت تكتب بالصور وليس بالحروف فى تلك المرحلة قبل اختراع الحروف ولكن بعد اختراع الحروف بدأ الأقباط يكتبون كلامهم بالحروف وليس بالصور وهذا هو سر ارتباط اللغة القبطية باللغة اليونانية حيث يشتركان فى شكل حروفهما و فى بعض المصطلحات التى اخذتنها اليونانية عن القبطية و كذلك فى نطق الكلمات فاللغتان تنطقان بنفس التنغيم.
*لو بدأ الأقباط يتحدثون لغتهم الأم ويعودا إلى جذورهم فهل تعتقد نيافتكم أن هذا سيشكل بناء سور عالي بينهم وبين أخوتهم وشركاءهم فى الوطن
+ لو فهمنا يا ابنتي الحبيبة أن اللغة القبطية هي لغة مصر وهي تراث مصر وتحققنا جميعا من ذلك الحق الذى لا ريب فيه فلن يحدث آن ذاك أي انفصال أو شك أو كراهية فالمؤرخ المسلم المقريزي ذكر فى تأريخه " إن المصريين هم فقط هؤلاء القوم الذين يتحدثون باللغة القبطية " وأظن أن معنى كلامه أن فى القرون الوسطى كان الحديث فى الشارع باللغة القبطية حتى من قبل عرب مصر حتى منع عبد الملك ابن مروان الحديث باللغة القبطية بتاتا ومنع الكتابة بها بعد أن اتخذ قراره بتعريب دولة الخلافة الإسلامية .

*هل قواعد اللغة القبطية مناسبة للعصر الحديث
+هي مثل أي لغة فى الدنيا فهي غنية جدا بمصطلحاتها الشاعرية الدقيقة ولكن طبعا هناك مصطلحات جديدة هي نتاج حضارة حديثة ولا نظير لتلك المصطلحات فى اللغة القبطية ولكن هناك قواعد لتصريف الكلمات فى اللغة القبطية نستطيع بها أن نشتق مصلحات جديدة لنعبر بها عن كل مستحدثات العصر.

* ما هي المشاكل التي تواجهها عند تعليم الأجيال الجديدة اللغة القبطية
+ لا توجد أي مشاكل ولكن كلما كنت تتعلمها فى سن أصغر كلما كان تعلمها أسهل بدرجة لا تتصوريها كما أن من يتعلموها وهم فى سن صغيرة جدا يحبونها بدرجة كبيرة جدا ويرتبطون بها عاطفيا ولا ينسونها أبدا
*عندما تكونون معا خارج المنزل ويجرى بينكم حديث عائلي ويكون باللغة القبطية ما هي ردود الأفعال التي تشاهدونها على الناس لو تنبهوا لكم
+الناس ينظرون إلينا باندهاش شديد جدا بينما الإنسان المثقف لا يعير ذلك أي اهتمام ولكن الكثير من البسطاء يعجبون جدا وعن تأثر الأصدقاء والأقارب بهذه اللغة قال نيافته: البعض يتأثر ولكنهم قليلون الذين يكونون جادين حقا فى تعلم هذه اللغة وللأسف الكثير من الأقباط ليس لديهم الحمية العرقية التي تجعلهم يعون أهمية الكلام بتلك اللغة وحفظ هذا التراث.

*اللغة القبطية كانت لغتك الأم فى المنزل ولكن طبعا بعد أن تركت المنزل وتوجهت للدير لتبدأ حياتك كراهب أكيد كان اثر خلفيتك القبطية واضحا عليك ... كيف كان ذلك وما الخطوات التي اتخذتها بعد الرهبنة تجاه اللغة القبطية
+بعدما أصبحت راهبا قابلت نيافة الأنبا مكسيموس أسقف القليوبية وهو شغوف باللغة القبطية العظيمة وتكلمنا كثيرا عن تحمسنا لهذه اللغة وهو أعطاني أول كتاب عن تاريخ اللغة القبطية مكتوبا باللغة القبطية ولكن بعدما تحملت مسئوليتي كأسقف لإيبارشية ملوي أردت أن أحول الحلم إلى حقيقة فقمت بطباعة كتب عديدة لمساعدة الصغار والكبار لتعليم اللغة القبطية بسهولة ثم عقدت اجتماعات منتظمة لتعليم الشعب وقدمنا احتفالات ومهرجانات ومسرحيات وكل الأنشطة الكنسية باللغة القبطية فقط .

* هل لدى نيافتكم أي اقتراحات لتدعيم الجهد فى إحياء اللغة القبطية فى مصر
+أتمنى أن يرى كل مصري أن اللغة القبطية هي لغة مـــصـــر مثلما نعتز بالآثار الفرعونية علينا أن نتكلم لغة هؤلاء الفراعنة. أتمنى أن يعرف الأطفال فى المدارس ولو نبذة صغيرة عن جذورهم اللغوية لكي ينمون على احترام التراث القبطي العظيم

قدس الأب بيجول باسيلي:
*الأب بيجول باسيلى راعى الكنيسة القبطية بفرانكفورت هل هناك علاقة بين الهوية واللغة
++اللغة هي هوية الشخص التعبيرية وهي أيضا العمود الفقري للشخصية فأذكر أنني قابلت دكتورا ألمانيا فى برلين وسألني هل أنت مصري فقلت نعم فسألني وأين لغتك فقلت له لغتي القبطية هل تريد أن تتعلمها وهنا أبدى أسفه لأن مصر لغتها الرسمية هي لغة وافدة عليها و أن مصر تنبذ لغتها الحقيقية وقال مثلا أنه فى ألمانيا يعلمون فى المدارس كل التلاميذ الأجانب لغتهم الأم حتى يمكنون الأجانب من الحفاظ على تراثهم الحضاري.

* بعد زواجك و زواج إخوتك هل الأزواج الذين انضموا إليكم وجدوا صعوبة فى التعامل معكم من تلك الناحية .
+لم يحدث أي نوع من أنواع الصعوبات أو عدم التكيف لأنهم جميعا كلهم كانوا يعرفون اللغة القبطية جيدا ويجيدونها ومؤمنون باستمرارها وأهمية إحياءها فأبناء إخوتي بل والأحفاد جميعا يتكلمون بتلك اللغة ويحرصون على التمسك بها .

*إلى أي مدى تتغلغل اللغة القبطية فى حياتنا
++اللغة القبطية فعلا ما زالت متواجدة فى حياتنا ففي مصر نستخدم فى الدارجة الكثير من الألفاظ القبطية دون أن يعلم ناطقيها بأنهم يتحدثون ألفاظا قبطية مثل كلمة"فلافل" وكلمة"عفلايت" وكلمة "بخ" وكلمة "ترابيزة" وغيرها الكثير ولكن يجب أن تكون مجيدا للغة القبطية حتى تدرك أن هذه الكلمات قبطية وليست عربية.

*هل اللغة القبطية لها تأثير على أسرتك الصغيرة
++ عندما تزوجت كان شرطي فى الإنسانة التي أبغي الارتباط بها بالرباط المقدس هي أن تكون إنسانة قبطية تجيد اللغة القبطية ومستعدة أن تشاركني حماسي للغة القبطية ومستعدة أن تعلم أبناءها تلك اللغة وفعلا منذ اليوم الأول للزواج صممنا أنا وزوجتي أن تكون اللغة الأم لأبنائنا هي اللغة القبطية وهو ما قد حدث بالرغم من إنهم يعيشون فى ألمانيا ومولودين فيها إلا أنهم يتحدثون القبطية بطلاقة مذهلة.

تاسوني هيتاسو:
* تاسونى "هيتاسو" زوجة الأب القمص بيجول باسيلى .... ما علاقتك باللغة القبطية
+++ هي لغتي الأم فأنا أيضا من مدينة الإسكندرية كزوجي ومن عائلة تتحدث اللغة القبطية بطلاقة وتعشقها وتأبى أن تتحدث بغيرها وأكبر دليل على ذلك اسمي " هيتاسو" فقد أسماني أهلي بهذا الاسم ومعناه قلب الشفقة باللغة القبطية.

* كيف استطعتي كأم تأصيل حب وتنمية اللغة القبطية فى أبناءك
+++ منذ ولادتهم اتفقت أنا ووالدهم على هذا وكان بداية الطريق هو أسماءهم فالابن الأكبر "رانو" وهي كلمة قبطية معناه إنسان جيد والابن التالي له هو " نوفر" وهي كلمة قبطية معناها إنسان جميل والابنة التالية له هي " فيرت" وهي كلمة قبطية معناها ورد. وكان لهذا أفضل الأثر على شخصياتهم وهم يعرفون لغات كثيرة ولكنهم يفضلون دائما على لغاتهم الكثيرة لغتهم الأم اللغة القبطية .

* تاسونى "هيتاسو" ما هي نصيحتك للأسرة القبطية
+++كل أسرة يجب أن تعد جيلا جيدا وهذا الجيل لا يأتي إلا عندما نغرس فى أطفالنا الاعتزاز بميراث الأجداد ونعلمهم عن كنائسنا وتاريخنا وأجدادنا وحضارتنا ونحي هذه اللغة الموسيقية الشاعرية الجميلة فى أطفالنا والأم دائما عليها العبء الأكبر لأنها لها التأثر الأكبر .

المصادر:
الكتيبة الطيبية
موسوعة تاريخ أقباط مصر
الهيئة القبطية الكندية