كيف تعامل السيد المسيح مع المختلفين معه
دراسة في انجيل متى
} عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد{ (1تي 3 : 16)، } و الكلمة صار جسدا و حل بيننا و راينا مجده مجدا كما لوحيد من الاب مملوءا نعمة و حقا. { (يو 1 : 14)، وشابهنا في كل شيء} لكنه اخلى نفسه اخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس { (في 2 : 7). وتعامل وتواصل مع شخصيات عديدة، منها من كان ذا وجهة نظر مغايرة، او كان ذا قلب غير مستقيم، أو طبع شرير أو متهور او حسود أو مجرِّب ...الخ. في الواقع، كل منا، خلال احداث حياته اليومية، عاش ويعيش هذه اللقاءات مع المختلفين عنه! لنترك للمسيح نفسه فرصة تدريبنا على حسن التعامل مع الآخر ولا سيما المختلف } قال واحد من تلاميذه يا رب علمنا { (لو 11 : 1)
الحلقة الخامسة (5) المتردد
(مت 8 : 21 -22)
} و قال له اخر من تلاميذه يا سيد ائذن لي ان امضي اولاً وادفن ابي فقال له يسوع اتبعني ودع الموتى يدفنون موتاهم {
في الحلقة الماضية، تأملنا ذلك الكاتب ( وهو من الكتبة وليس من تلاميذ المسيح) يطلب ان يتبع المعلم أينما ذهب. وبعده مباشرة يذكر لنا القديس متى أن ( أخر من تلاميذه ) يطلب الإذن من السيد المسح (معلمه): يا سيد ائذن لي ان امضي أولا (سأتركك حتى انهي مهمتي وبعدها سأعود... إليك). لم يوافقه المسيح بل طلب أن يتبعه} ان اتباع الله مجد عظيم و في قبوله لك طول ايام { (سيراخ 23 : 38) ويدع الموتى يدفنون موتاهم. لنتأمل هذا التلميذ الذي لم يذكر الإنجيلي أسمه (حتى يعطنا نحن تلاميذ المسيح الفرصة ان يضع كل منا أسمه). إنه:
تلميذ : كان من تلاميذ يسوع } ليس التلميذ افضل من المعلم و لا العبد افضل من سيده{ (مت 10 : 24)
واثق: في المعلم يطلب منه الإذن
محب : يرغب في توديع ابيه ( الميت)
اجتماعي : يهتم بالأعراف والتقاليد
كتابي : يتمم وصية إكرام الوالدين
ويجدر السؤال هنا: ألم يكن طلب المسيح من هذا التلميذ قاسيا لماذا لم يدعه يذهب أليس في غيابه تقصيرا نحو إكرام اباه }اذا قبض الله نفسي فادفن جسدي واكرم والدتك جميع ايام حياتها{ (طوبيا 4 : 3) وكسرا للوصية!ومخالفة لما فعله الآباء الأولين: }فاسلم اسحق روحه و مات و انضم الى قومه شيخا و شبعان اياما و دفنه عيسو و يعقوب ابناه{ (تك 35 : 29) ألم يطلب يوسف الأذن من فرعون مصر أن يدفن أبيه ثم يعود ليدير شأن مصر فأذن له: } فقال فرعون اصعد و ادفن اباك كما استحلفك { (تك 50 : 6) ما الذي سيتغير وما الذي سينقص إن ذهب ودفن ابيه ثم عاد ثانية!
لماذا وصف السيد المسيح باقي القوم بالأموات
ألم يشفق المسيح ذاته على أرملة نايين ويقيم ابنها } فلما اقترب الى باب المدينة اذا ميت محمول ابن وحيد لامه و هي ارملة و معها جمع كثير من المدينة فلما راها الرب تحنن عليها و قال لها لا تبكي. ثم تقدم و لمس النعش فوقف الحاملون فقال ايها الشاب لك اقول قم. فجلس الميت و ابتدا يتكلم فدفعه الى امه {( لو 7 : 12 – 15 )
ألم يهب الحياة للعازر الميت } كان الجمع الذي معه يشهد انه دعا لعازر من القبر واقامه من الاموات{ (يو 12 : 17)
ألم يتضامن مع يايرس ويقيم ابنته} و بينما هو يتكلم جاء واحد من دار رئيس المجمع قائلا له قد ماتت ابنتك لا تتعب المعلم. فسمع يسوع و اجابه قائلا لا تخف امن فقط فهي تشفى{ (مت 9 : 18 ) وأقامها من الموت!!
لماذا إذا لم يقبل طلب هذا التلميذ المجهول الاسم
لماذا اختلف معه
لنعد إلى كلمات التلميذ عينها: } و قال له اخر من تلاميذه يا سيد ائذن لي ان امضي اولاً وادفن ابي { إنه اراد ان يمضي أولا ويدفن اباه !!
"أولا" كلمة تعني ان هناك أولوية يبديها التلميذ عن اتباع المعلم الآن وهنا
ومن ثمَّ ندرك لم أجاب المسيح بمثل هذا الجواب. فالمسيح نفسه قال لأتباعه } اطلبوا اولا ملكوت الله و بره { (مت 6 : 33) فمحبة الله ينبغي ان تكون أولا قبل كل محبة } ان كان احد ياتي الي و لا يبغض اباه و امه و امراته و اولاده واخوته و اخواته حتى نفسه ايضا فلا يقدر ان يكون لي تلميذا { (لو 14 : 26) . وفي اتباع الميسح هداية وثقة وحياة.
منذ قديم الزمان وللرب منهج خاص في إعداد تلاميذه }و كان الي كلام الرب قائلا. يا ابن ادم هانذا اخذ عنك شهوة عينيك بضربة فلا تنح و لا تبك و لا تنزل دموعك. تنهد ساكتا لا تعمل مناحة على اموات لف عصابتك عليك و اجعل نعليك في رجليك و لا تغط شاربيك و لا تاكل من خبز الناس{ ( حز 24: 15 -17)
قد كان هذا التلميذ ميتا قبل لقاء المسيح } فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما اقيم المسيح من الاموات بمجد الاب هكذا نسلك نحن ايضا في جدة الحياة{ (رو 6 : 4) فنال الحياة من المسيح : }و نحن اموات بالخطايا احيانا مع المسيح بالنعمة انتم مخلصون{ (اف 2 : 5) وعلى التلميذ ان يكون شغوفا بمحبة المعلم مشغولا بفهم تعاليمه وتطبيقها والتبشير بها. فليس الأموات يفعلون هكذا بل الأحياء }افتح عينيك و انظر فانه ليس الاموات في الجحيم الذين اخذت ارواحهم عن احشائهم يعترفون للرب بالمجد و العدل { (با 2 : 17)
فقال له يسوع: اتبعني
ودع الموتى يدفنون موتاهم
من عنى يسوع بالموتى
1.إنهم الجلوس في الظلام: } لان العدو قد اضطهد نفسي سحق الى الارض حياتي اجلسني في الظلمات مثل الموتى منذ الدهر { (مز 143 : 3) } لذلك يقول استيقظ ايها النائم و قم من الاموات فيضيء لك المسيح { (اف 5 : 14)2.أنهم من توقفوا او امتنعوا عن تسبيح الله منشغلين بأمور أخر: يقول أيضا صاحب المزمور} ليس الاموات يسبحون الرب و لا من ينحدر الى ارض السكوت{ (مز 115 : 17)3.إنهم الأموات بالذونب والخطايا : }و انتم اذ كنتم امواتا بالذنوب و الخطايا { (اف 2 : 1)4. من يهتمون فيما للجسد ويهملون ما هو للروح : في مثل الغني ولعازر ذكر الرب أن الغني مات ودفن ، اما عن لعازر فلم يقل دفن بل قال مات فحملته الملائكة إلى حضن ابراهيم : } فمات المسكين و حملته الملائكة الى حضن ابراهيم و مات الغني ايضا و دفن{ (لو 16 : 22)الرب يريد محبة تفضيلية، تجعله الاول في حياتي
ملكوت الله لا يقبل التأجيل بل هو الآن وهنا
والسؤال من هم الموتى في حياتي
مَن أعطيه الأولوية
ممن يريد يسوع ان يحررني
قد تبدو قاسية ان يترك الانسان اباه ميت، من اجل المسيح، دون ان يدفنه. وإن كنا نفعل ذلك أحيانا متى ظهرت أمامنا قيمة أكبر، كمن يهاجر من وطنه، وهو يدرك انه قد لا يتمكن من دفن والديه أو حتى من رأيتهم مرة أخرى فيقول في نفسه: أريد ان اعيش فدع الموتى ( الأخوة غير القادرين على الهجرة معي) يدفنون موتاهم!! هنا فاقت قيمة العيش في حياة أكرم الارتباط بالوطن وبالاهل.
نعم أريد ان أعيش حياة كريمة والمسيح هو الحياة وبه نلنا كل كرامة ولا حياة إلا به وفيه ومعه.