الأعجوبة الرابعة
الرجل الكسلان
قال الاب القديس الفاضل الانبا اثناسيوس بطريرك الاسكندرية في يوم عيد رئيس الملائكة ميخائيل:
هوذا انا أري العالم كله فرحا مبتهجا في عيد رئيس الملائكة ميخائيل في هذا الفرح المبسوط في السماء وعلي الارض كلها.
الملائكة ورؤساء الملائكة الشاروبيم والسارفيم والكراسي والارباب والقوات والسلاطين يفرحون في عيده ذلك العظيم المبتهل إلي الله الاب في كل حين يسأل في جنس البشر لكي يرحمهم ويمنحهم نعمته.
كان في مدينة الاسكندرية رجل كسلان يلازم النوم ولم يتعلم صنعة وكانت له زوجة عفيفة نقية تكد وتعمل بيدها وتقوته وهو راقد مضطجع يأكل ويشرب وينام وكانا بفاقة عظيمة ومسكنة.
فإذا دخلت زوجته إليه وبيدها شيء يفرح في وجهها وإذا دخلت ويدها فارغة كان يشتمها ويخاصمها فكانت تجاوبه قائلة:
إني احضر لك كل ما تستطيع يداي أن تعملانه والان قم واعمل شغلا كسائر الناس واكتسب شيئا تعيش به وتذهب عنا هذه الفاقة والمسكنة العظيمة .
ولكنه إذا سمع هذا الكلام كان يغضب ويقول إنه لا يستطيع أن يعمل شيئاً وكان في كل حين يسأل الله ورئيس الملائكة ميخائيل قائلا:
يارئيس الملائكة ميخائيل كن معي وأعني وأسأل الله المتحنن أن يرزقني معيشة كي أجد السبيل والقيام بقوت يومي.
1-دعوته للعمل
فظهر له ملاك الرب ميخائيل في رؤيا وقال له:
أيها الرجل الكسلان لماذا انت مستمر تسألني ليلا ونهارا وأنت لم تنهض وتعمل شغلا مثل كل الناس وانا أساعدك في كل ما تصنعه.
ولما قال له الملاك هذا غاب عنه فاستيقظ الرجل من النوم وقال اتري مل رأيت صحيحاً
ومازال في توانيه وكسله ملقي علي ظهره مبتهلا إلي رئيس قوات السموات ميخائيل يسأله أن يرزقه ويعطيه قوته.
وبعد مدة طويلة ظهر له ثانية رئيس الملائكة ميخائيل وقال له:أيها الكسلان لماذا تكره الصنعة والشغل
إن سألتني عن مرض أعتراك كنت أطلب إلي الله من أجلك فيشفيك ولو أنك شيخ كبير في السن لكنت جددت لك قوتك دفعة أخري.وسألتني عن حقوقك لكنت انميها ولو كان لك متجر لكنت اجعلك تربح منه مالا كثيرا ألم تسمع السيد المسيح له المجد يقول:أنا أعمل وأبي يعمل والان إذا أشرقت الشمس باكراً أدخل إلي الانسان الذي أعلمك به وقل له أعطيني قرضاً من الذهب أتجر فيه وإذا قال لك احضر لي من يضمنك فقل له
أن ميخائيل رئيس الملائكة هو يضمني وللوقت عندما يسمع اسمي فهو يعطيك كل ما تطلبه بفرح فخذه وامضي واتجر فيه في سائر الاماكن المختلفة وانا اكون معك واساعدك ثم صعد الملاك إلي السماء.
وفي صباح باكر اسرع الرجل الكسلان إلي دار الغني وسأله ان يقرضه ثلاثمائة دينار من الذهب يتجر فيها ثم يردها له مع الفائدة وعندما طلب منه الغني وسأله من يضمنه قال له الكسلان:
إن ميخائيل رئيس الملائكة هو يضمنني ويكون شاهدا بيني وبينك فوثق الغني بهذا القول وألقي رئيس الملائكة ميخائيل الرحمة في قلبه علي المسكين فقام وسلمه الثلثمائة دينار وقال له:متي تأتيني بها
فقال له الكسلان في اليوم الثاني عشر من هاتور من العام القادم اتي بها اليك مع ربحها فأتفقا علي ذلك ومضي كل واحد إلي حال سبيله.
أما الرجل الكسلان فقد تشدد بقوة الله والملاك الجليل ميخائيل واشتري بضائع وسافر في مركب وهو يقول:
يارئيس الملائكة ميخائيل كما امرتني بهذا الفعل دبرني وبعد أن وصل إلي بلاد متعددة كان يبيع فيها ويشتري لمدة سنة كاملة كسب فيها اموالا كثيرة من الذهب والفضة.
2-سداد الدين
ولما قرب الميعاد الذي بينه وبين صاحب المال ولم يزل في بلاد بعيدة قام وأخذ سبيكة رصاص وصنع منها كليجة(كسوة من الرصاص) كتب عليها اسم رئيس الملائكة ميخائيل وايم الغني صاحب المال واسمه هو ايضا وجعل داخلها من الذهب الاحمر ستمائة دينار وختمها بخاتمة ووقف علي شاطيء البحر وصرخ قائلا بإيمان وثيق:يارئيس الملائكة ميخائيل يامن سألت الله عني وانعمت علي باموال كثيرة أسألك ان تحفظ هذا المال وتوصله لصاحبه
ثم رمي السبيكة في البحر.فأمر ملاك الرب ميخائيل حوتاً كبيراً فأبتلعها وكان ذلك اليوم الحادي عشر من هاتور ولم يزل رئيس الملائكة ميخائيل يصحبه إلي ان وصل إلي مدينة الاسكندرية بالقرب من بيت ذلك الغني صاحب المال.
كانت المدينة التي يقيم بها الكسلان علي مسافة أربعين يوماً وقد ألقي المال منها في البحر بكر النهار وبقدرة الله وشفاعة الملاك الجليل ميخائيل اوصله مساء نفس اليوم.
وكان هذا الغني يصنع ولائم وعيداً عظيماًَ علي اسم رئيس الملائكة ميخائيل في كل سنة وفي ذلك اليوم جمع الغني الصيادين وامرهم ان يأتوه بالسمك للعيد فأتوا إلي البحر وتعبوا الليل كله ولم يصطادوا شيئاً إلا ذلك الحوت الذي في جوفه المال فأحضروه إلي بيت الغني وجلسوا لكي يصلحوه ولما فتحوا جوفه وجدوا بداخله تلك الكليجة الرصاص فاعطوها للغني فتعجب كثيرا ومجدوا الله ولم يعلم ما فيها بل اخفاها في بيته واهتم بالعيد واستدعي الفقراء والمساكين وحضروا علي مائدته باسم رئيس الملائكة ميخائيل
3-اكتشاف طريقة وصول الدين
ولما كان بعد شهرين من الزمان عاد الرجل الكسلان من سفره وبصحبته بضائع وأموال وأثاث وذهب وفضة وحمله إلي بيته فرحاً ومسرورا واقام أياما كثيرة.
ولما سمع الغني ذلك أغتاظ جداً وأرسل إليه فحضر وقال له:
يأخي ألم أصنع معك رحمة من اجل الله ورئيس الملائكة ميخائيل واعطيتك ذهباً صار لك منه وأرزاق ولم تأتيني به مع ربحه.
فاجاب ذلك الكسلان قائلا:حي هو الرب إلهنا وبشفاعة سيدي ومعيني فأني أرسلت لك المال في الميعاد الذي بيني وبينك بصحبة الضامن رئيس الملائكة ميخائيل وذلك اني علمت انه لم يتهيألي السفر إلي ههنا،قمت مسرعاً وصنعت كليجة (كسوة من الرصاص) وكتبت عليها أسمي وأسمك وأسم الضامن واودعت داخلها ستمائة دينار من الذهب الاحمر وألقيت الكليجة في البحر وقلت ياملاك ميخائيل وصل هذا المال سالماً إلي الغنيالذي اخذته منه بقوتك العظيمة وكان ذلك في اليوم الحادي عشر من شهر هاتور فلما سمع الغني هذا الكلام قام مسرعا وأحضر الكليجة التي وجدها في بطن الحوت بخوف عظيم لانه علم انها هي.
ولما رأها الرجل المسكين تعجب وصرخ قائلا يارب أنت بار وعادل وأحكامك مستقيمة كثيرة هي عجائبك يارئيس الملائكة ميخائيل ياشفيعي.
حينئذ تعجب الرجل الغني وفتح تلك الكليجة(كسوة من الرصاص تحيط الدينارات) واخذ الستمائة دينار دفع منها الثلثمائة دينار للرجل الكسلان والثلاثمائة الاخري لبيعة الملاك ميخائيل رئيس قوات السماء وقد أذاعوا هذه الاعجوبة العظيمة لكل من في الاسكندرية وما زال الاثنان الغني والكسلان يصنعان تذكار وأعياد الملاك ميخائيل في كل يوم أثنا عشر من الشهر مدة ايام حياتهما إلي يوم نياحتهما بسلام مرضين الله بأعمالهم الصالحة.