حياة كل انسان لا تخلو من الحروب حتى سير الآباء القديسين, لا تخلو من حروب روحية, بعضها خارجي كان من الشياطين, والبعض ـ وهو قليل ـ كان من داخلهم
من الحروب الخارجية
حروب تأتي من العثرات الخارجية, من البيئة ومن الصداقات الضارة.
من الحروب الداخلية
الأفكار والشهوات: الأفكار تحارب العقل, والشهوات تحارب القلب والحواس.
الحروب الروحية قد تأتي الى الإنسان من داخل نفسه, أو من الشيطان, أو من العالم, أو من الناس الأشرار, أو قد تتحول من حالة الى حالة
الحروب التي في داخلك
تأتي من شهوات القلب من الداخل, ومن أفكار العقل, ومن حركات الجسد
والحرب الداخلية أصعب من الحرب الخارجية, لأن الإنسان يكون فيها عدو نفسه. وهذه الحرب تكون أصعب, لأنه يشتهيها ولا يريد مقاومتها
لذلك كانت نقاوة القلب هي أهم شىء في حياة الإنسان. وكما قال أحد القديسين: ان القلب النقي حصن لا يُنال
القلب يشبه البيت المبني على الصخر مهما هبت الزوابع عليه من الخارج, لا يمكن أن تضره بشىء ـ مت 7 : 25,24ـ
والذي لا تكون له حروب من الداخل, فهذا ان أتته حرب من الخارج تكون خفيفة عليه. ويمكن الإنتصار عليها, لأن قلبه رافض لها : وارادته لا تميل الى التجاوب معها وقبولها
والحرب الداخلية ربما يكون سببها طبع اندمج بالخطيئة. وهنا يكون قد ترسب من الماضي في قلب الإنسان وفكره ما يحاربه
وقد يكون سببها حالة فتور, أو طبيعة ضعيفة تستسلم للخطأ.. وربما يكون سببها اهمال من الإنسان في ممارسة الوسائط الروحية فيضعف القلب من الداخل, ويترك الفكر يطيش حيثما يشاء بلا ضابط
وربما تبدأ بالتراخي في ضبط الحواس..والحواس هي أبواب يدخل منها الفكر
والحرب الداخلية قد تأتي خفيفة أو عنيفة. وحتى ان بدأت خفيفة: كلما تراخى الإنسان لها, تسيطر عليه
حرب الأفكار
قد تكون الأفكار في اليقظة. وقد تكون في المنام. والأفكارأثناء النوم ربما تكون مترسبة من أفكار وأخبار النهار, مما ترسب في العقل من شهوات ومن أفكار, وما جلبته الأذن من أخبار وحكايات, وما قرأه من قراءات رسبت في ذهنه
كل هذه تأتي في أحلام, أو في سرحان, أو ما يسمونه أحلام اليقظة. ويستمر فيها الإنسان طالما كان القلب قابلاً لها... فان كان رافضاً لها تتوقف, ويصحو لنفسه
وإرادة الإنسان ضابط هام للفكر فهي التي تسمح بدخول الفكر... وحتى إن دخل خلسة, هي التي تسمح باستمراره أو ايقافه
وهنا تأتي المسئولية
ومن هنا نرد على السؤال القائل: هل هذه الأفكار إرادية, أم غير إرادية أم شبه إرادية, أي من النوع الذي هو غير إرادي الآن, ولكنه نابع من إرادة سابقة تسببت فيه
فقد يغرس الشيطان فكراً في عقل الإنسان, يدخل اليه بغير إرادته. ولكن حتى هذا الفكر, الذي لا مسئولية عليك في قبوله
ان أردت, يمكنك أن تطرد الفكر, ولا تتعامل معه, ولا ترحب به.. لإنك إن قبلت الفكر الخاطىء, تكون خائناً للروح القدس الساكن فيك, وخائناً لمحبة الله, ومقصراً في حفظ وصاياه, وفي صيانة قداسة قلبك من الداخل
وقد يأتيك الفكر الخاطىء في حلم.. فان كنت نقياً تماماً, سوف لا تقبله في الحلم أيضاً... وإن كنت لم تصل الى هذا المستوى وقبلته, فستحزن بسببه كثيراً في يقذتك, ويترك حزنك هذا أثره العميق في عقلك الباطن, لرفض كل حلم مماثل في المستقبل : إن لم يكن مباشرة, فبالتدريج الى أن تصل إلى نقاوة العقل الباطن
اذاً قاوم الفكر الخاطىء بالنهار, أثناء يقظتك, لكي تتعود المقاومة حتى بالليل أثناء نومك, وتنغرس هذه المقاومة في أعماق شعورك, ويتعودها عقلك الباطن
إن زمام أفكارك في يدك, سواء منها الأفكار التي تصنعها بنفسك, أو التي ترد اليك من الخارج, من الشيطان أو من الناس. وما أصدق قول المثل :ـ
ان كنت لا تستطيع أن تمنع الطير من أن يحوم حول رأسك, فانك تستطيع أن تمنعه من أن يعشش في شعرك
وبارادتك, وإشتراكك مع عمل النعمة فيك, يمكنك السيطرة على الأفكار, فلا تجعلها تأخذ سلطاناً عليك. ولا تستطيع الأفكار الخاطئة أن تفقدك نقاوتك, وذلك لأنك لا تتجاوب معها. وما أصدق قول القديس يوحنا ذهبي الفم:ـ
لا يستطيع أحداً أن يضر انساناً : ما لم يضر هذا الإنسان نفسه
لذلك لا تستسلموا للأفكار. وليكن كل إنسان حكيماً. يعرف الفكر, وكيف يبدأ عنده, وكيف يتطور, وما خط مسيره داخل ذهنه وليحترس من أمثال هذه الأفكار, ولا يعطي مجالاً للفكر حتى يشتد
وإن اشتدت عليك الأفكار بطريقة ضاغطة ومستمرة, فلا تيأس, ولا تقل لا فائدة من المقاومة, وتستسلم للفكر
إن اليأس يجعل الإنسان يتراخى مع الفكر, ويفتح له أبوابه الداخلية, ويضعف أمامه ويسقط, أما انت فحارب الأفكار وانتصر |