عندما كنت شاباً، عزمت علي الرهبنة.. ولكننى تزوجت، والآن أنا نادم وأريد أن أعود إلي رغبتى الأولي بالذهاب إلي الدير. فبماذا تنصحنى
يقول الكتاب للمتزوجين " ليس للرجل سلطان علي جسده بل للمرأه.. ولا للمرأه سلطان علي جسدها بل للرجل. لا يسلب أحدكما الآخر إلا أن يكون بموافقة.." (1كو 5,4:7). فإن كان ذلك قد قيل عن فترة الصوم، وهي فترة مؤقتة، فكم بالأولي عن الرهبنة التى تشمل الحياة كلها... أنت أيها الأخ لم تعد تملك جسدك حتى تنقله إلي الدير. المتزوج الذى يترهب، لابد من موافقة زوجته علي ذلك. ولابد أن تكون موافقة قلبية خالصة كاملة، لا ترغم فيها الزوجة سواء بكثرة الضغط أو الإلحاح، أو بدافع خجلها.. لئلا تقاد إلي الخطية، ويطلب دمها من زوجها الذى ترهب!.. أى أن يكون بإمكانها- روحياً ومادياً وإجتماعياً- أن تحيا بدون رجل. يضاف إلي الأمور الجنسية، هناك أيضاً المسئوليات المادية والمعيشية. والتربية إن كان لهما أولاد ... لذلك لا يصح أن تندم، بل عش في واقعك. حاول أن تكون كاملاً في الوضع الذي أنت فيه ... وتذكر أن ابراهيم واسحق ويعقوب كانوا متزوجين، وكانوا رجال صلاة وتأمل وحياة كاملة. وكذلك كثير من الأنبياء مثل موسى وصموئيل وأيوب.. ويحكى لنا تاريخ الكنيسة ان الله أرسل القديس مقاريوس الكبير إلي إمرأتين متزوجتين في الإسكندرية، قال له عنهما إنهما وصلنا إلي نفس الدرجة الروحية التى لهذا القديس، لكى ينقذه من حرب المجد الباطل.
أحياناً تنتابنى حالات خوف من أشكال الشيطان- كما نقرأ في قصص الأنبا أنطونيوس، وبعض المتوحدين والسواح- ويسبب لي هذا تعباً شديداً حتي في وقت الصلاة والنوم. فماذا أفعل
أحب أن أقول لك قاعدة كتابية هامة تريحك وهي قول الكتاب: " الله أمين، الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون " (1كو 13:10). فالله لا يسمح مطلقاً أن يظهر الشيطان في منظر مرعب، إلا إن كان يعرف تماماً أنك تستطيع أن تحتمل هذا المنظر. ولما ظهرت الشياطين بمناظر مخيفة للقديس الأنبا أنطونيوس، فذلك لأن الله يعرف أن القديس له نفسية قوية جداً تستطيع أن تحتمل تلك المناظر. ونفس الوضع مع من حاربهم الشيطان من السواح والمتوحدين. ولكن مادمت تخاف، فثق أن الله لن يسمح للشيطان أن يحاربك بمناظر مخيفة. فالشيطان ليس قوة مطلقة، إنما هو أيضاً تحت سلطان الله: يسمح له، أو لا يسمح. وظاهرهذا في قصة تجربته لأيوب الصديق، إذ كان الله يسمح له في نطاق محدود لا يتعداه. في الأول قال له " هوذا كل ماله في يديك. وإنما إليه لا تمد يدك " (أى 12:1). وفي المرة الثانية قال له " ها هو في يدك، ولكن أحفظ نفسه " (أى 6:2). ولم يجرؤ الشيطان أن يتعدى الحدود التى سمح بها الرب ... ليس هذا فقط بالنسبة إلي محاربة الشيطان للإنسان، إنما حتى بالنسبة إلي الحيوانات النجسة أيضاً. ففي قصة لجيئون، نري أن الشيطان لم تستطيع الدخول في الخنازير إلا بإذن من السيد الرب " طلبوا إليه أن يأذن لهم بالدخول فيها، فأذن لهم" (لو 32:8) (مر12:5). فكم بالأولى الإنسان الذى خلق علي صورة الله. ولو كانت الشياطين حرة تظهر كما تشاء، لأهلكت العالم! وبخاصة الأطفال والنساء وضعف النفوس. ولكنها لا تستطيع إن لم يأذن الرب لها. والرب لا يأذن، لأنه يحفظ رعيته .. ليس فقط من جهة المناظر المخيفة، إنما حتى من جهة المحاربات الروحية في مجال الخطية. هناك محاضرة للقديس الأنبا أنطونيوس عن ضعف الشياطين. موجودة في كتاب حياة الأنبا أنطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولي، انصحك أن تقرأها. فهي تشجعك وتنزع الخوف من قلبك .. تذكر معها أيضاً ما نقوله في صلاة الشكر للرب " أعطيتنا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو". وهي مأخوذة من (لو 19:10) " ها أنا أعطيتكم سلطاناً لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو، ولا يضركم شئ ... توجد أيضاً مزامير كثيرة تمنحك القوة وتطرد الخوف. مثل مزمور " الساكن في ستر العلى " (مز 90[91]). ومزمور " الرب نورى وخلاصى، ممن أخاف " (مز 26[27]). ومزمور " اللهم التفت إلي معونتى " (مز 69[70]). ومزمور " لولا أن الرب كان معنا " (مز 128[129]). وغيرها.. صل هذه المزامير، وخذ منها قوة. وقل " من أنا يارب، حتى يظهر لي شيطان ويحاربنى!" إننى أصغر من مستوى محاربتهم لى ". قل ذلك في اتضاع. فالاتضاع يطرد الشيطان ويكسر فخاخهم..
ما هو حكم الكنيسة في حالة الراهب الذى يتزوجوما حكمها علي الكاهن الذي يتزوج بعد سيامته
وإذا شلح راهب: هل يحق له أن يتزوج بأعتباره قد صار علمانياً
الراهب إنسان قد نذرالبتولية. فإذا تزوج يكون قد كسر نذره، ويصبح زواجه خطية. والكتاب يقول " خير لك أن لا تنذر، من أن تنذر ولا تفى" (جا 5:5). فالواجب أن يبقي الراهب علي نذره، حتى لو شلحته الكنيسة. الكنيسة شلحته من الرهبنة. ولكنها لم تشلحه من البتولية. فلا يزال نذر البتولية باقياً، حتى لو لم يصر راهباً. وهناك علمانيون أو شمامسة عاشوا بتوليين. أو نذروا البتولية وأستمروا فيها وهم علمانيون، ولم يكونوا رهباناً.. ولا كهنة... الأرشيدياكون حبيب جرجس عاش حياته كلها بتولاً، ولم يكن راهباً ولا كاهناً. وكذلك أخواته وما كن راهبات. يمكن إذاً أن يكون الإنسان بتولاً، دون أن يكون راهباً. القديس الأنبا رويس كان بتولاً، دون أن يرسمه أحد راهباً. القديس بولس الرسول والقديس يوحنا الحبيب كانا بتوليين، ولم يكونا راهبيين، إذ لم تكن الرهبنة قد ظهرت بعد. والقديس بولس كان يدعو الناس أن يكونوا مثله (بتوليين لا رهباناً). بل كان يدعو " الذين لهم نساء كان ليس لهم" (اكو 29:7). والذي تشلحه الكنيسة من الرهبنة والكهنوت، يبقي علي نذره في البتولية. إن كان قد فقد الرهبنة والكهنوت، يبقى علي نذره في البتولية. إن كان قد فقد الرهبنة والكهنوت، فلا يتمادى أكثر لكى يفقد أيضاً البتولية التى لا تزال في إرادته وفي حريته. وحفظه لها يدل علي محبته للبتولية وثباته علي نذره. والنذر هو تعهد بينه وبين الله مباشرة. وكذلك بينه وبين نفسه ... والكنيسة مجرد شاهد علي هذا النذر، الذى تعهد به أمام الله، وأمام مذبحه المقدس، وأمام الملائكة وأرواح القديسين، وأمام مجمع الرهبان، وأمام كل الذين حضروا هذا النذر، وأمام الشعب كله الذى سمع برهبنته... والكنيسة لا تحله من هذا النذر، ولاتملك ذلك. بل بقاؤه علي بتوليته، يبقى الباب مفتوحاً أمامه للعودة إلي الرهبنة والكهنوت. فما أكثر الذين تابوا، وأزالوا بتوبتهم الأسباب التى أدت إلي شلحهم. وبقيت الفرصة سانحة أمامهم لتعفو الكنيسة عنهم، وتعيدهم إلي رتبتهم الأولي.. والتاريخ حافل بأمثلة من الذين شلحوا وعادوا إلي رتبتهم، وقبلتهم أديرتهم.. والكهنوت مسحة لا تعاد. أى أنه إذا تاب المشلوح وأعيد إلي كهنوته، لا يحتاج الأمر إلي إعادة سيامته. أما الذى تزوج فإنه يكسر الجسور التى بينه وبين الكنيسة. فالكاهن الذى يتزوج، لا يمكن أن يعود إلي الرهبنة إلا إذا ترك هذه الخطية التى يعيش فيها. وإن تركها نهائياً وتاب توبة حقيقية، وقبله ديره إنما يقبله مدة طويلة تحت الأختبار، لئلا يعود مرة أخرى إلي ذلك الارتباط الجسدانى.. والراهب الكاهن الذى يتزوج يفقد أموراً كثيرة: يفقد بتوليته، ويفقد رهبنته، ويفقد نذره، ويفقد كنهوته، ويفقد سمعته، ويفقد أرثوذكسيته.. ذلك لأنه لا يمكن أن تقبل كنيسة أرثوذكسية أن تزوجه. وغالباً ما يلجأ مثل هذا إلي طوائف أخرى غير أرثوذكسية لتزويجه زواجاً لا يريح أى ضمير.. وقد يعيش في اللامبالاة وقتاً. ثم إذا استيقظ ضميره، يتعب ويتألم ويعيش تعيساً... وهكذا يفقد سلامه القلبى أيضاً. ويبقى كسر النذر، والأستمرار في كسر النذر، شوكة في ضميره تتعبه طول حياته.. وفي نفس الوقت يصير عثرة... وتتعلق أبديته بتوبته، وترك ما هو فيه، وإصلاح نتائجه
عرفنا أن الراهب إذا تزوج، يكون زواجه خطية، لأنه في الرهبنة ينذر نفسه لحياة البتولية.. ولكن ما حكم طالب الرهبنة، الذي إذا ذهب إلي الدير ليترهب، ثم خرج من الدير، أو أخرجه الدير ..
هل إذا تزوج يكون زواجه أيضاً خطية
الفترة التى يقضيها طالب الرهبنة هي فترة أختبار، وليست فترة نذر للبتولية... هو يختبر نفسه، هل تناسبه حياة الرهبنة أم لا. فإن وجد أنها تناسبه، بقى في الدير إلي أن تتم سيامته راهباًَ، وفي السيامة يكون قد نذر نفسه للبتولية وحياة النسك والزهد. أما إن وجد حياة الرهبنة لا تناسبه، فمن حقه أن يترك الدير، ومن حقه أن يتزوج. والاستثناء الوحيد،هو أن يكون قد نذر نفسه أمام الله لحياة البتولية...