الموقف الثالث
عار حمل الصليب. فالصليب في ذلك الحين أداة عار. ومع جلبة الشعب والصخب، حيث يختلط الحابل بالنابل، وتحت ضرباط سياط الجنود، لابدّ من أنّه نال بعض الضربات ... لابدّ من أنّ الناس اعتقدوا أنّه هو المجرم المحكوم عليه. وظلّ في هذا الخزي حتّى الجلجلة، إي عبر المدينة كلّها هكذا. وهكذا أظهر سمعان أنّ عمل الفداء لا يتمّ بدون مشاركة الإنسان. فالقيروانيّ يمثّل الإنسان الخاطئ الّذي، على الرغم من خطاياه، يستطيع أن يساهم في تحقيق خلاص المسيح للبشر.
العار، الإهانة، أقوال الناس ... ما أكثر الحجج الّتي تمنعنا عن مشاركة المسيح في عمله الخلاصيّ. ما الّذي سيقوله الناس عنّي كيف أحافظ على كرامتي ما شأني والآخرين ويبقى المسيح يعاني الآلام وحده، ونحن نتفرّج ولا نفكّر إلاّ بذواتنا ومصالحنا، فنزيد ألمه ألماً .
ونستطيع ان نتعلم من سمعان القيروانى
بعض الدروس المفيدة :-
1- باشتراك سمعان القيروانى فى حمل صليب المسيح وتوصيله الى الجلجثة ، اشترك العالم كله فى صلب المسيح اى الثلاث قارات الت كانت معروفة وقتذاك : اليهود من اسيا والرومان من اوروبا وسمعان القيروانى من افريقيا .
2- بحمله الصليب خفف من الالام المسيح المبرحة .
لقد تركه جميع تلاميذه وهربوا كل واحد الى خاصته خوفا وهلعا من المحاكمات وتجنبا للمتاعب والمشقات حتى بطرس الشجاع المقدام تبعه من بعيد وانكره امام جارية ثلاث مرات . ومرقس احد الرسل السبعين الاوفياء تبعه من بعيد ولما حاول الشبان اليهود القبض عليه ترك لهم الازار وهرب .
لقد تنبأ المسيح عن هذا الترك وقال لتلاميذه " تأتى ساعة وقت اتت الان تتفرقون فيها كل واحد الى خاصته وتتركونى وحدى وانا لست وحدى لان الاب معى "
وفعلا لم يتركه الاب وحده فسخر له سمعان القيروانى ليحمل معه الصليب ويخفف عنه هذا العبء الثقيل .
حدث هذا الترك مع بولس الرسول فقال " الجميع تركونى ولكن الرب وقف معى وقوانى "
الله لم يترك ايليا جائعا وعطشانا بل دبر له الغراب يأتيه بخبز ولحم صباحا وخبز ولحم مساءا ويشرب ماء من نهر كريت ، ولما جف النهر ذهب بامر الرب الى ارمله صرفة صيدا وكانت تعوله بعد ان عمل معها معجزة البركة للدقيق والزيت .
كذلك اعتنى الرب بالثلاثة فتية فى اتون النار واعتنى بدانيال النبى واخرجه سالما من جب الاسود .
اعتنى الرب بالقديس الانبا بولا السائح وامر الغربان ان تعوله فكان الغراب يأتيه بنصف خبزه مساء كل يوم لمدة 90 سنة كاملة .
3- اشترك مع المسيح فى حمل الصليب والالام .
كان كل من يراه حاملا الصليب يظن انه لص مجرم او قاطع طريق خطير وهذه الالام نفسية احتملها بصبر كذلك تعب جسديا من جراء حمل الصليب هذه المسافة الطويلة وهو على كل حال حمل الصليبوتبع يسوع حسب قوله " من لا يأخذ صليبه ويتبعنى فلا يقدر ان يكون لى تلميذا " " وان اراد احد ان يأتى ورائى فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى "
لقد كان حمل الصليب عارا واحتمل سمعان القيروانى هذا العار من اجل المسيح ومعلمنا بولس الرسول ينصحنا قائلا " فلنخرج اليه اذن خارج المحلة حاملين عاره " .
إن اشتركنا فى الام المسيح نشترك معه فى مجده حسب قول الرسول " إن كنا نتألم فلكى تتمجد ايضا معه ان متنا معه فسنحيا ايضا معه "
4- بحمله الصليب تمتع ببركات كثيرة هو وبيته
ولقد نال سمعان القيروانى بركات كثيرة بسبب حمله الصليب فقد كتب اسمه فى الانجيل واصبح معروفا على كل لسان بعد ان كان نكرة ومغمورا كما كتب اسمه فى سفر الحياة ونال امجاد السما قريبا من الله بعد ان كان بعيدا عنه .
ولم تقتصر البركة على سمعان وحده بل شملت ايضا بيته فاصبح بيت صلاة وبيت طهارة وبيت خدمة وبيت بركة اصبحت زوجته خادمة بارزة حتى دعاها القديس بولس الرسول أمه ، كذلك ابناه الكسندروس وروفس صارا خادمين بارزين وكانت الاسرة كلها معروفة لبولس الرسول الذى ارسل لهم تحياته فى رسالته الى اهل رومية قائلا " سلموا على روفس المختار وعلى امه امى "
سيكافىء الرب كل واحد حسب تعبه لانه لا ينسى تعب المحبة ولا ينسى كأس الماء البارد الذى يقدم لعطشان باسمه ولا من يحمل صليبه ويتبعه ويتحمل الاتعاب من اجل اسمه ، فلا نفشل فى عمل الخير لاننا سنحصد فى حينه ان كنا لا نكل .