ماذا يرى أصحاب مدرسة النقد الأعلى في كاتب التوراة، وما هي الأدلة على إن موسى النبي هو كاتب التوراة



ج: قال ريتشارد إليوت فريدمان "اختلف الدارسون المحافظون، يهود ومسيحيون، حتى الجيل الأخير حول استخدام مصطلح (تخمين المصادر) في الدوائر العلمية والبحثية. وفي مقابل ذلك يصعب اليوم العثور على باحث للعهد القديم يشتغل في هذه الموضوعات، يقول إن أسفار التوراة قد كتبها موسى أو مؤلف واحد أيا كان بل يناقش الدارسون إشكاليات عديدة حول عدد المؤلفين الذي كتبوا هذا السفر أو ذاك، ويبحثون الزمن الذي تم فيه تدوين المصادر المختلفة ويهتمون بمسألة إلى أي مصدر تنتمي هذه الفترة أو غيرها ويعربون عن درجات مختلفة من الارتياح أو الشك حول القدرة على استخدام تخمين المصادر كحل للمشاكل الأدبية أو التاريخية، لكن التخمين نفسه يستمر في كونه نقطة الانطلاق في كل بحث، ولا يوجد طالب جاد في دراسة العهد القديم لا يدرس هذه النقطة... أما عن الأدوات الحديثة وأساليب التحليل اللغوي التي تطورت في الخمسة عشر عام الأخيرة مكنت من وضع عميلة الترتيب التاريخي لنصوص العهد القديم، وقياس ووصف صفات عبرية العهد القديم في عصورها المختلفة، وبتعريف بسيط، من الممكن أن نحدد أن موسى عاش قبل فترة طويلة من تعدد روافد اللغة العبرية التي وردت في أسفار التوراة الخمسة، ويعتبر ذلك الاختلاف أكبر من الفرق بين لغة شكسبير في عصره والإنجليزية الحديثة اليوم، هذا وقد حدث منذ عصر فلهاوزن، تطور كبير في علم الآثار الأمر الذي أدى إلى اكتشافات مهمة لها دور كبير في مجال البحث المرتبط بمؤلفي العهد القديم... ومازال لغز تأليف العهد القديم قائما بلا حل"(1).

وبينما يتوه الباحثون في البحث عن كتب التوراة، أضع أمام القارئ أعظم شهادة بأن موسى هو وليس غيره كاتب الأسفار الخمسة بشهادة الكتاب المقدَّس نفسه أولا ثم بعض الشهادات الأخرى:



أولا: أقوى شهادة على أن موسى هو كاتب التوراة هي شهادة نصوص الكتاب المقدَّس:-
1- ما ورد في التوراة:
أ- "فقال الرب لموسى أكتب هذا تذكارا في الكتاب" (خر 17: 14).

ب- "فكتب موسى جميع أقوال الرب... وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب" (خر 24: 4، 7).

ج- "وقال الرب لموسى أكتب لنفسك هذه الكلمات" (خر 34: 27).

د- "وكتب موسى مخارجهم برحلاتهم حسب قول الرب" (عد 33: 2).

هـ- "وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة بنى لاوي حاملي تابوت الرب ولجميع شيوخ إسرائيل" (تث 31: 9).

و- قال الرب لموسى "فالآن أكتبوا لأنفسكم هذا النشيد وعلم بني إسرائيل إياه... فكتب موسى هذا النشيد في ذلك اليوم وعلم بني إسرائيل إياه" (تث 31: 19، 22).

ز- "فعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها. أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلا. خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون شاهدًا عليكم" (تث 31: 24- 26).

2- شهادة رجال العهد القديم:
أ- قال الرب ليشوع "كن متشددا وتشجع جدا لكي تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي" (يش 1: 7) (عد 27: 23، تث 31: 7).

ب- بنى يشوع مذبحا للرب "كما أمر موسى عبد الرب بني إسرائيل. كما هو مكتوب في سفر توراة موسى" (يش 8: 31) (خر 20: 25، تث 27: 5، 6).

ج- في وصية يشوع للشعب قال "فتشددوا جدا لتحفظوا وتعلموا كل المكتوب في شريعة موسى" (يش 23: 6) (عد 27: 23، تث 31: 7).

هـ- الملك أمصيا قتل الذين قتلوا أبيه "ولكنه لم يقتل أبناء القاتلين حسب ما هو مكتوب في سفر شريعة موسى حيث أمر الرب قائلا لا يقتل الآباء من أحل البنين والبنون من أجل الآباء" (2مل 14: 6) (تث 24: 16).

و- عند عودة الشعب من السبي "بنوا مذبح إله إسرائيل ليصعدوا عليه محرقات كما هو مكتوب في شريعة موسى رجل الله" (عز 3: 2) (تث 12: 5).

ز- "وأقاموا الكهنة في فراقهم واللاويين في أقسامهم على خدمة الله التي في أورشليم كما هو مكتوب في سفر موسى" (عز 6: 18) (عد 3: 6، 8: 9).

ح- في صلاة نحميا "لقد أفسدنا أمامك ولم نحفظ الوصايا والفرائض والأحكام التي أمرت بها موسى عبدك" (نح 1: 7).

ط- وكذلك عند اجتماع الشعب أيام نحميا "قالوا لعزرا الكاتب أن يأتي بسفر شريعة موسى التي أمر بها الرب إسرائيل" (نح 8: 1).

ى- صلى دانيال قائلا "كما كتب في شريعة موسى قد جاء علينا" (دا 9: 13) (لا 26: 14، تث 28، 15).

ك- قال الله في سفر ملاخي "أذكروا شريعة موسى عبدي الذي أمرته بها في حوريب" (ملا 4: 4) (خر 20: 3).

ونسبة التوراة لموسى النبي كان أمرًا مستقرًا لدى الكنيسة اليهودية بشهادة بعض المؤرخين اليهود المشهورين مثل فيلون الإسكندري، ويوسيفوس فلافيوس، وغيرهما، ومن الكنيسة اليهودية تسلمت الكنيسة المسيحية حقيقة نسبة التوراة لكاتبها موسى النبي.

3- شهادة السيد المسيح:
أ- قال السيد المسيح لليهود "أعطاكم موسى الختان، ليس أنه من موسى بل من الآباء" (يو 7: 22) وبهذا أثبت نسبة سفر التكوين (تك 17: 10) لموسى النبي.

ب- قال الرب يسوع "لأن موسى قال أكرم أباك وأمك. من يشتم أبا أو أما فليمت موتا" (مر 7: 10) وبهذا أثبت نسبة سفر الخروج (خر 20: 12، 21: 17) لموسى النبي.

ج- قال يسوع المسيح للأبرص "أذهب أر نفسك للكاهن وقدم عن تطهيرك ما أمر به موسى شهادة لهم" (مر 1: 44) وبهذا أثبت نسبة سفر اللاويين (لا 14: 1-32) لموسى النبي.

د- قال السيد المسيح لليهود "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان" (يو 3: 14) وبهذا أثبت نسبة سفر العدد (عد 21: 9) لموسى النبي.

ه- قال الرب يسوع لليهود "أليس موسى قد أعطاكم الناموس" (يو 7: 19) وبهذا أثبت نسبة سفر التثنية (تث 33: 4) لموسى النبي.

و- كما قال الرب يسوع لليهود "إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم" (مت 19: 8)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقال للصدوقيين "وأما من جهة الأموات إنهم يقومون أفما قرأتم في كتاب موسى.." (مر 12: 26). وقال لليهود " لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقوني لأنه هو كتب عنى" (يو 5: 46).

ز- وعند لقاء السيد المسيح مع تلميذيّ عمواس "ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لو 24: 27).

4- شهادة رجال العهد الجديد:
أ - "فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الأنبياء" (يو 1: 45).

ب - في حديث إسطفانوس عن موسى (أع 7: 20-44) قال "هذا هو الذي كان في الكنيسة في البرية مع الملاك الذي كان يكلمه في جبل سينا ومع آبائنا. الذي قبل أقوالًا حية ليعطينا إياها" (أع 7: 38).

ج - قال يعقوب الرسول في مجمع أورشليم " لأن موسى منذ أجيال قديمة له في كل مدينة من يكرز به إذ نقرأ في المجامع كل سبت" (أع 15: 21).

د - قال بولس الرسول في مجمع أنطاكية "بهذا يتبرأ كل من يؤمن من كل ما لم تقدروا أن تتبرروا منه بناموس موسى" (أع 13: 39).

ه - عندما جاء وجهاء اليهود إلى بولس الرسول في سجنه بروما "فطفق يشرح لهم شاهدًا بملكوت الله ومقنعًا إياهم من ناموس موسى والأنبياء بأمر يسوع من الصباح إلى المساء" (أع 28: 23).

و - قال بولس الرسول لأهل رومية "لأن موسى كتب في البر الذي بالناموس أن الإنسان الذي يفعلها سيحيا بها" (رو 10: 5) (لا 18: 5).

ز - " أولًا موسى يقول أنا أغيركم بما ليس أمة. بأمه غبية أغيظكم" (رو 10: 19) (تث 32: 21).

ح - قال بولس الرسول لأهل كورنثوس "فأنه مكتوب في ناموس موسى لا تكم ثورًا دارسًا" (1كو 9: 9) (تث 25: 4).

ط - " ولكن حتى اليوم حين يقرأ موسى البرقع موضوع على قلبهم" (2 كو3: 5).

ى- قال يوحنا الإنجيلى عن الغائبين "وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله" (رؤ 15: 3) (خر 15: 1).

ك- وقال الصدوقيون للسيد المسيح "يا معلم كتب لنا موسى" (مر 12: 19).

ومن جميع النصوص السابقة وغيرها يتضح تمامًا أن موسى هو كاتب التوراة دون أن ينقلها من أي مصدر آخر، ولا يوجد نص كتابي يقول بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أن موسى نقل ممن قبله... عجبًا أن القرآن يعترف أن التوراة نزلت على موسى، والذين يدعون أنفسهم بأنهم مسيحيون ينكرون هذا


ثانيًا: شهادة آباء الكنيسة الأول مثل إيزبناؤس وترنثيان وأكليمنطس الأسكندرى وجيروم وأثناسيوس الرسولي فجميعهم نسبوا التوراة إلى كاتبها موسى النبي دون أية إشارة أو تلميح أنه نقل من مصادر سابقة.


ثالثاُ: يمثل موسى الشخصية الرئيسية بلا منازع في الأسفار الأربعة الأخيرة من الخروج إلى التثنية، وكثيرًا ما تكرر القول " وكلم الرب موسى قائلًا"، و" كما أمر الرب موسى " وفي بداية سفر التثنية يقول " هذا هو الكلام الذي كلم به موسى جميع إسرائيل" (تث 1: 1) وحيث أن سفر التكوين يعتبر تمهيدًا أساسيًا لسفر الخروج، ولا يمكن فهم سفر الخروج بدون سفر التكوين، وحيث أن سفر الخروج يبدأ بحرف العطف " الواو "مما يثبت أنه يتبع ما قبله إذًا لا بُد أن يكون كاتب سفر التكوين أيضًا هو موسى النبي.


رابعًا: موسى النبي الذي تهذب بكل حكمة المصريين، والذي أختبر حياة التأمل في البرية حتى بلغ عمره ثمانون عامًا، وقاد شعب بني إسرائيل في البرية حتى بلغ عمره مائة وعشرين عامًا ليس كثيرًا عليه أن يسجل الأسفار الخمسة، بل أنه هو أقدر وأكنًا إنسان يقدر أن يسجل هذه الأسفار المقدسة.


خامسًا: ما ذكر في التوراة عن مصر وعادات المصريين لا يمكن أن يعرفه إنسان إلا إذا كان قد عاش في قلب مصر مع المصريين وكان كواحد منهم، أما الإنسان الأجنبي عن مصر فكان يجد مشقة كبيرة في الحصول على أية معلومة تخص المصريين، حتى قال جاردنر ولكسون " أن سكان وادي النيل القدماء كانت لهم غيره مشهورة من الأجانب الذي منعوهم بقدر الإمكان من التغلغل داخل البلاد ولم يفصحوا لهم إلا عن معلومات قليلة فيما يختص بمؤسسات بلدهم" (قدماء المصريين ج 1: 40)(2).




ومن أمثلة ما ذكره موسى عن طبائع وعادات وخصائص المصريين وهو ما يثبت أنه هو كاتب التوراة دون أن ينقلها عن أحد ما يلي:

أ - عادة زواج الخصيان مثل فوطيفار (تك 37: 36،39: 1).

ب - عادة من يريد فرعون أن يكرمه " وخلع فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف، وألبسه ثياب بوص ووضع طوق ذهب في عنقه، وأركبه في مركباته الثانية ونادوا أمامه أركعوا" (تك 41: 42،43) ويذكر هيرودوتس وبليني أن ثياب البوص هذه كانت تصنع من نسيج الكتان وتخصص لكهنة المصريين فقط.

ج - ذكر موسى بعض أسماء المصريين مثل الاسم الذي أطلقه فرعون على يوسف "صفنات بعنيج" (تك 41: 45) أي مخلص العالم، واسم زوجة وحما يوسف ومدينته " وأعطاه أسنات بنت فوطي قارع كاهن أون زوجة" (تك 41: 45) فمعنى " أسنات " أي للإلهة نيث، ومعنى " فوطي فارع "أي المكرس للشمس، و" أون "هو الاسم القديم لمدينة هليلوبوليس، وذكر مدينتي " فيثوم ورعمسيس" (خر 1: 11) اللتان بناهما اليهود لفرعون و" فيثوم " تعنى مقر الشمس، و" رعمسيس "معناها مقر رمسيس.

د - ذكر عادة المصريين لأنهم لا يأكلون مع الأجانب فلم يأكلوا مع أخوة يوسف " فقدموا له وحده ولهم وحدهم وللمصريين الآكلين عندهم وحدهم، لأن المصريين لا يقدرون أن يأكلوا مع العبرانيين" (تك 43: 32) وذكر بعض العبارات التي كان قدماء المصريين يستخدمونها مثل " رؤساء التسخير (خر 1: 11) و"سفطًا من البردي" (خر 2 ك 3) و"أنتنثما رائحتنا" (خر 5: 21).

ه - لأن موسى عاش عشرات السنين في أرض سيناء ذكر معالمها ورحلات شعب الله فيها وجغرافيتها وينابيعها الحلوة والمرة (خر 15: 23) وأبارها ونخيلها (خر 15: 27) وأشجار السنط (خر 25: 10).. إلخ فهذه المعلومات ليست بعيدة عن موسى النبي الذي عاش ثمانين سنة في أرض سيناء(3).


سادسًا: اللغة العبرية القديمة التي كتبت بها التوراة وما بها من خصائص معينة مثل استعمال ضمير الغائب "هو" للذكر والأنثى تثبت أن التوراة كتبت في عصر موسى النبي وليس بعده بمئات السنين كما قال فلهاوزن أنها جمعت سنة 400 ق.م.

وبعد أن أيفنا صحة إيماننا بأن موسى النبي هو هو كاتب التوراة وليس أي شخص آخر، يجب علينا أن تستعرض الاعتراضات على نسبة التوراة لموسى النبي ونجيب عليها، وهذا ما سنفعله يا صديقي في الفصل القادم.