ذبيحه حب
القمص مكاريوس الأنبا بولا
+ + + + + + + + + + +

ولد أبونا مكاريوس فى 3/10/1944 بمدينه السنبلاوين التابعة لمحافظه الدقهليه، وكان يدعى صبحى، وقد نشأ الطفل صبحى بين أبوين تقيين ملتصقين بالكنيسة، فأبوه الشماس عبد المسيح يوسف كان خادما بالتربية الكنسية بالسنبلاوين، وتتلمذ على يديه أبناء منهم من صاروا كهنة.
كان الطفل صبحى يمتاز بالهدوء والوداعة رقيقا مملوءا بالسلام، كانت تراوده فكره الرهبنة منذ صغره الى أن أعلن عنها وهو فى السنة الثانية الثانوي لكن أهله رفضوا الفكرة فى ذلك الوقت. التحق الشاب صبحى بكلية الهندسة جامعه أسيوط عام 1962، وأقام فى بيت الطلبة المغتربين فاختار حجره داخليه (مساحتها2ف 3متر كانت مطبخاً) ملأها بصور المسيح والقديسين … وعلى الرغم من أن بيت الطلبة هذا كان يسكنه الكثيرون مسيحيون ومسلمون شديدي التدين إلا انه كان محبوباً من الكل دون استثناء فقد كان ذا شخصيه مميزه تختلف عن كثيرين، كان الشاب صبحى مملوء محبه ووداعه وسلام بطبيعته دون تكلف، لم يره أحد قط غاضباً أو منفعلاً كله سماحه، لسانه حلو، كلامه جميل وسهل ومريح وبسيط. (هذه المعلومات من أحد زملاء أبونا مكاريوس أثناء الدراسة بالكلية).
تخرج الشاب صبحى عام 1967 والتحق بسلاح المهندسين فى 16/7/1968، وحدث أثناء تواجده بمدينه بور فؤاد أثناء حرب الاٍستنزاف أن انفجر فيه لغم ( من المعروف انه قلما ينجو أحد من انفجار لغم ) لكن مشيئة الله أن ينجو من الموت، وتكون نتيجة الاٍصابه أن تم بتر الطرف السفلى حتى أعلى الفخذ كما تم بتر إبهام ووسطى وسبابه اليد اليمنى، لكن قوه إيمانه جعلته يحتمل هذه التجربة المريرة فى شبابه إذ كان عمره أقل من 26 عاما، فكان من يراه يجده شاكراً متهللا رغم إصابته .

خدمته بكنيسة السيدة العذراء بالزيتون :
بعد انتهاء مده خدمته فى 1/10/1971 أقام بشقه بمنطقه حدائق الزيتون، وكانت فرصه عظيمة ليخدم بكنيسة السيدة العذراء بالزيتون، فكان خادما مثالياً نشيطاً يخدم بكل قلبه فى حب وتضحية وإنكار ذات.. حازماً بطريقه هادئة تجعل المخطئ يخجل من نفسه، يذهب للاٍفتقاد عده مرات فى الأسبوع ويصعد الى الأدوار العليا فى بيوت لا يوجد بها أسا نسير، يشارك مخدوميه من فتيان إعدادي لعبهم ويحتمل مشاغبا تهم ومتاعبهم.. وقد تتلمذ على يديه الكثيرين ممن صاروا كهنة وخدام غيورين .
وكان فى الجراج المقابل للكنيسة الصغرى (مكان كتدرائيه العذراء حالياً) مبنى قام والده (والد أبونا مكاريوس) بإعداده وبنى مذبحاً ليصير كنيسة للتربية الكنسية باٍسم القديس أثناثيوس.... وكان هناك خادماً يسكن بجوار الكنيسة بالدور الخامس عهدوا اليه بحفظ الأواني المقدسة، فكان المهندس صبحى يصعد اليه (رغم إصابته) ليحضر الأوانى .

رهبنتـه :

تعرف المهندس صبحى عند بعض أقاربه على القمص أغاثون السريانى والذى صار مرشده ومعلمه وأب اٍعترافه، وفى يوم 20/8/1976 ذهب المهندس صبحى مع معلمه نيافة الأنبا أغاثون الى دير الأنبا بولا للترهب، واجتاز جميع الاختبارات بنجاح، حتى انه فى أحد هذه الاٍختبارات وأثناء زيارة أسرته له لأول مره بعد دخوله الدير أن طلب منه رئيس الدير أن يكنس ويمسح المكان الذى كانت تجلس فيه أسرته، وبكل اتضاع نفذ ما طلبه منه رئيس الدير.
وفى 17/12/1976 ترهب باٍسم مكاريوس، وفى 23/3/1977 سيم قساً، ثم قمصاً فى 5/6/1977 حيث أصبح أميناً للدير .

تواضعـه:

كان أبونا مكاريوس فى قمة الاٍتضاع ، لايُشعر أحد بأنه ربيته (أمين الدير وا لمسئول عنه) فكان يستقبل القادمين من السير لمسافات طويلة ويصمم أن يغسل أرجلهم بنفسه (وقد حدث مع تلاميذه من التربية االكنسيه بالزيتون والذين خجلوا كيف أن معلمهم وأمين الدير يغسل أرجلهم بنفسه(.

اهتمامه بنمو الديـر:
كان أبونا مكاريوس سببا فى تعمير الدير، فقاد حركه عمرانية بنفسه كمهندس صمم ونفذ إنشاءات الدير وكان يتابع العمل ويقف مع العمال بنفسه وكان ينفذ البناء بأقل التكاليف، فكان يستعمل الحجارة ومونه الطفلة من الجبل للبناء، كما قام بتنفيذ جميع الإنشاءات خارج سور الدير .
خدمته بمدينه الاٍسماعيليه :
ذهب أبونا مكاريوس للخدمة بمدينه الاٍسماعيليه عام 1988 حيث أقام بكنيسة الأنبا بولا بالمدافن، وقد نمت الخدمة بالكنيسة على يده نمواً كبيراً إذ كان يفتح قلبه وعقله للجميع، وكثر تردد الناس من ذوى الاٍحتياجات والمشاكل فكان لا يرد أحد مهما بلغ به التعب الى أن أشفق عليه الأنبا أغاثون )مطران الاٍسماعيليه فى ذلك الوقت ) وأخذه للاٍقامه معه فى مقر المطرانية (كنيسة مار جرجس) ليحد من تردد الناس عليه. إلا أن الناس ظلت تتردد عليه تتزود من محبته .

عودته للقاهرة :
فى عام 1993 أصيب أبونا مكاريوس بتليف الكبد فعاد للاٍقامه بمقر دير الأنبا بولا بأرض الجولف بالقاهرة ، وفى نفس العام سافر الى ألمانيا للعلاج وظل هناك حتى 29/6/1994 وهناك كان المسيح الذى فيه يجتذب الكثيرين الذين وجدوا فى أبونا مكاريوس قلبا محبا متسعا للجميع ، الى أن عاد من ألمانيا ليقيم مره أخرى بمقر الدير بأرض الجولف حيث لم يكن يتردد على المقر سوى عدد قليل ، لكن القمص مكاريوس بإقامته هناك وصلواته وروحه الوديع الهادئ ومحبته وطول أناته واهتمامه بالجميع الصغير قبل الكبير استطاع أن يجذب للرب شعباً كثيرا رأى المسيح فى القمص مكاريوس ، فكان لا يكل عن أن يحل مشاكل أبنائه وخاصة الخلافات الزوجية إذ كان يعتبر أن استقرار الأسرة هو استقرار للكنيسة ، كما اٍهتم اهتماما كبيرا بالفقراء فكان يطلب ممن يتولون توصيل احتياجاتهم ألا يتأخروا ولو ليوم واحد عليهم .

حياه الصلاة والقداسات المستمرة :

كانت حياه أبونا مكاريوس حياه صلاه مستمرة ، وعندما يصلى القداسات كان يسكب نفسه سكيباً ، وكان من فرط استغراقه فى الصلاة تشعر وكأن عقله قد أختطف الى السماء ، كما كانت تحدث ظواهر روحيه أثناء قيامه بالصلاة .
+ يروى المهندس/ حلمي مفتاح أنه أثناء قيام أبونا مكاريوس برفع البخور على مذبح العذراء ، وأثناء دورته حول المذبح بالشوريه تجمعت سحب البخور الصاعدة من الشوريه حول كرسي المذبح الذى يحتضن الكأس المقدس ، وكانت تصعد الى أعلى فى شكل حلقات دائرية فى منظر خلاب أمام أعين الكل حتى الصغار شاهدوها.
+ ويروى أيضا ابيدياكون مهندس/ غطاس نان بأنه يوم ما أثناء قيام أبونا مكاريوس بالصلاة يوم أحد المفلوج أن سحابه بيضاء كانت تحوم وتتحرك فوق المذبح طوال فتره القداس، وعندما أخبر الشماس أبونا بتلك الظاهرة قال له لا تتكلم يا غطاس .
حتى وهو فى قمة تعبه الجسدي كانت روحه نشيطه، ففي يوم 12/12 قبل نياحته بأيام قام أبونا مكاريوس بحضور صلاه سبعه وأربعه بكنيسة الأنبا بولا وظل واقفا من الساعة السادسة مساءا حتى الثالثة فجرا ودخل حجرته الساعة 3.15 وخرج منها الساعة 5.30 صباحا ليصلى القداس كاملا بمفرده، ثم خرج بعد القداس لعمل مشوار ما، وقد ظل أبونا مكاريوس يصلى حتى صلى آخر قداس يوم 20/12/1998 وهو فى قمة التعب، ولازم الفراش بعدها حتى انتقاله يوم الخميس 24/12/1998.
فمن أين أتى أبونا بتلك القوه التى فوق الطبيعة البشرية … إنها قوه الروح الملتهبة حباً لخالقها.

علمه بموعد نياحته :

كان أبونا مكاريوس على علم بموعد نياحته .. فقد صرح لأحد أقاربه منذ بداية عام 1998 بأنه سينتقل هذا العام .
فى حديث مع أحد أصدقاءه (المهندس صلاح مزيد ) قبل انتقاله بأيام وقد كان هذا الصديق يطلب مقابله أبونا الذى قال له ( ممكن تيجي يوم الخميس أو الجمعة ، لكن [افتكرأوعى تيجي يوم السبت لأنك مش هاتلاقينى ) وقد كرر أبونا هذا القول مرتين ، وقد تحقق هذا ، اذ فى حوالى الساعة السابعة مساء يوم الخميس 24/12/1998 انطلقت روحه ليعاين مجد السماء ، وظل بالمستشفى يوم الخميس، وجاء الى كنيسته يوم الجمعة ليراه أحباؤه، وفى يوم السبت استقر جسده بطافوس(مقبرة ) الدير.

قالوا عن أبونا مكاريوس:

++ روى الطبيب مجدي نصيف حبيب وكان ضابط احتياط بإحدى المستشفيات العسكرية :
فى أحد الليالي أثناء نوبتجيتى بالمستشفى وبعد أن هدأت الحركة ونام أكثر المرضى قمت بالمرور مع بعض الزملاء ، وفى قسم الضباط المصابين وعلى ضوء خافت ، فوجئنا بأحد الضباط يقف على قدم واحدة رافعا يديه ومتجها بنظره الى فوق ، وتطول مده وقوفنا ونحن مبهورين بهذا المنظر النورانى لهذا الشاب الوسيم الطلعة الملائكى القسمات الذى يشكر الله على كل شيئ حتى على فقده جزءاً هاما من جسده ، فتعلمنا الكثير من هذا الدرس الصامت فى تواضع بدون اٍعلانات.
++ يروى أحد آباء كهنة القاهرة : ( يكفيني أن أتطلع الى وجه قدسك يا أبى ) كانت هذه هى أفكارى وأنا أرافق أبونا مكاريوس فى أحد الأيام من دير الأنبا بولا الى عزبة الدير بقرية بوش لاٍحضار بعض العمال للدير ، وكان أبونا مكاريوس يتأمل فى محبه الله ويتكلم بعظائم الله ونعمته فى هدوء وتأن عجيب ، كان يصمت قليلا ثم يواصل الحديث فى تأملات عميقة وكان وجهه ينطق بسلام عجيب وفمه يتكلم من فضله ذلك القلب المملوء بهذا السلام ، أما أنا ( الأب الكاهن ) فيقول اعتدلت فى جلستى بجانبه حتى أتمتع برؤيته ، ولزمت الصمت التام طيلة تلك الساعات وقد فاض علىٌ سلامه الذى كالنهر هو ، وقد مرت علىٌ الساعات بسرعة عجيب د ون أن أدرى بالطريق

وكثيرين وكثرين ممن عاينوك يا أبانا الطوباوى يروون الكثير عنك والذى يحتاج الى صفحات وصفحات لكتابتها ، بركتك وصلاتك التى ترفعها عنا فى الفردوس تكن معنا كلنا آمين.


اسم الكتاب : ذبيحة حب
إصدار : أسره وأبناء القمص مكاريوس الأنبا بولا
رقم الاٍيداع : 8537/2000