الفضيلة ليست بعيدة عنا ولا هي خارجة عن نفوسنا

عن عظة لأبينا القديس أنبا أنطونيوس
تحت عنوان " حياة "



فإذا قد بدأنا فعلاً وتقدمنا في طريق الفضيلة ،فلنجاهد أكثر حتى نصل إلى الأمور التي أمامنا ، ولا يلتفت أحدٌ إلى الوراء كامرأة لوط ، وبالأكثر لأن الرب قال : " ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله " ( لو 9: 62 ) . وهذا الالتفات إلى الوراء ليس هو إلا الشعور بالندم والتفكير في العالم مرة أخرى ، ولكن لا تخافوا من أن تسمعوا عن الفضيلة ولا تندهشوا من اسمها لأنها ليست بعيدة عنا ولا هي خارجة عن نفوسنا ، لكنها في داخلنا وهي سهلة لو كانت لنا الإرادة فقط .


لكي يحصل اليونانيين على المعرفة فهم يعيشون خارج بلادهم ويعبرون البحار ، أما نحن فلا نحتاج أن نرحل من وطنا من أجل ملكوت السماوات ، ولا نجوب البحار من أجل الفضيلة ، لأن ارب سبق فقال : " ها ملكوت الله داخلكم " ( لو 17 : 21 ) . فطالما أن الفضيلة فينا وتنشأ منا ، فهي لا تطلب منا سوى الإرادة ، لأن الفضيلة تتكون عندما تكون النفس في حالة طبيعية من جهة استعدادها الروحي ، وهي تكون في حالة طبيعية عندما تظل كما جاءت إلى الوجود ( أي كما خُلقت ) ، وعندما جاءت إلى الوجود ( النفس ) كانت خالية من العيوب ومتزايدة في الأمانة ، لأجل هذا السبب قال يشوع بن نون في نصحه للشعب : " اجعلوا قلوبكم مستقيمة نحو الرب إله إسرائيل " ( يشوع 24 : 23 س ) ، ويوحنا المعمدان قال : " أصنعوا سُبله مستقيمة " ( مت 3 : 3 ) ، لأن استقامة النفس تنطوي على الحفاظ على حالتها الروحية في وضعها الطبيعي كما خُلِقَت ، ولكنها من الناحية الأخرى عندما تنحرف وترجع عن حالتها الطبيعية فهذا هو ما يُسمى برذيلة النفس .

وهكذا نرى أن المسألة ليست عسيرة ، فإننا لو لبثنا كما خُلقنا فنحن نكون في حالة الفضيلة ، أما إذا فكرنا في الأمور الدنيئة فنُحسب أشراراً . فلو كان علينا أن نتطلّب هذا الأمر من خارجنا فهو في الحقيقة سيكون عسيراً ، ولكنه إن كان فينا فلنحفظ أنفسنا من الأفكار الخاطئة ، وكما استلمنا النفس كوديعة فلنحفظها للرب حتى يتعرّف على صنعة يديه بعينها كما خلقها .


اذكرونى فى صلواتكم