هل عندما قال الله لإبراهيم "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه" كان يقصد إسماعيل، لأن إسحق لم يكن قد وُلِد بعد وهل حرَّفت التوراة اسم إسماعيل إلى إسحق مع أن إسماعيل كان ابنًا شرعيًا لإبراهيم، بل وقد أحب إبراهيم ابنه إسماعيل وتشفع من أجله أمام الرب قائلًا "ليت إسماعيل يعيش أمامك" (تك 17: 18) بل أن الله أحب إسماعيل وقال لأبيه إبراهيم "وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًا" (تك 17: 20)(1)


ويقول الأستاذ محمد قاسم محمد أن إسماعيل ظل ابنًا وحيدًا لإبراهيم لمدة أربعة عشر عامًا حتى وُلِد إسحق، وبولادة إسحق لم يعد لا إسماعيل ولا إسحق ابنًا وحيدًا (راجع التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 57) ويعلل الأستاذ محمد قاسم سبب ذكر اسم إسحق على أنه الذبيح قائلًا " لماذا وُضع إسحق بدلًا من إسماعيل إن أهمية وضع إسحق بدلًا من إسماعيل باعتباره الذبيحة يمثل -في نظر اليهود- اختيار سلالة إسحق كشعب مختار افتداه الله ليرث الأرض الموعودة، وإبعاد أي نسل آخر ينازعها في الميراث... (ويتساءل أيضًا الأستاذ محمد قاسم) وماذا يحدث لو كان الذبيح هو إسحق فعلًا لكان بنو إسرائيل قد اتخذوا من الفداء سُنة لهم ولذكروها في مناسبات مختلفة، ولكننا نجد الفداء عند بني إسرائيل يرتبط بالخروج من مصر ولا نجد إشارة من قريب أو بعيد لذكرى فداء إسحق (خر 13: 11 - 16)"(2)



ج: 1- كان وعد الله لإبراهيم عن طريق إسحق وليس إسماعيل، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. "وقال الله لإبراهيم سارة امرأتك لا تدعو اسمها ساراى بل سارة... وأباركها وأعطيك أيضًا منها ابنا. أباركها فتكون أممًا وملوك وشعوب منها يكونون" (تك 17: 15، 16) ولم يصدق إبراهيم " فسقط إبراهيم على وجهه وضحك... وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك. فقال الله بل سارة امرأتك تلد لك ابنًا وتدعو اسمه إسحق وأُقيم عهدي معه عهدًا أبديًا لنسله من بعده وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًا... ولكن عهدي أُقيمه مع إسحق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية" (تك 17: 17 - 21).



2- طلبت سارة من إبراهيم أن يطرد إسماعيل قائلة "ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحق" (تك 21: 10) فقبح الكلام جدًا في عيني إبراهيم بسبب ابنه إسماعيل "فقال الله لإبراهيم لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك. في كل ما تقول لك سارة أسمع لقولها. لأنه بإسحق يُدعى لك نسل" (تك 21: 11، 12) وفعلًا أطلق إبراهيم إسماعيل وأمه.



3- عندما خاطب الله إبراهيم "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق" (تك 22: 2) لم يكن هناك وجود لإسماعيل في بيت أبيه، إنما كان في برية فاران، ولم يكن هناك غير إسحق، ولذلك قال الله لإبراهيم "ابنك وحيدك" ففعلًا إسحق صار الوحيد المقيم مع أبيه بعد طرد أخيه إسماعيل، كما أن الوصف الإلهي لإسحق " الذي تحبه " فهذا واضح لأنه وُلِد بعد طول انتظار، وبوعد إلهي، فإسحق هو الابن المحبوب لدى أبيه.



4- مع أن القرآن قد ذكر قصة تقديم إبراهيم ابنه ذبيحة (سورة الصافات 101 - 107) فإنه لم يذكر أيهما الذبيح إن كان إسحق أو إسماعيل واختلف المفسرون، فقال بعضهم إسماعيل، وربما بقصد تعظيم شأن أبيهم إسماعيل، وقال بعض المفسرين الآخرين أن الذبيح هو إسحق.



5- يقول أحد الآباء الرهبان بدير مار مينا العامر " أن الذبيح هو إسحق، لأن الآية ذكرت اسمه صراحة {خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق} (تك 22: 2) فإسحق هو الابن الوحيد من زوجته سارة، كما أن الله عندما خاطب إبراهيم ليقدم ابنه وحيده إسحق، كان إسماعيل في ذلك الوقت في برية فاران بعيدًا عن أبيه إبراهيم، ولا أحد ينكر أن إسماعيل كان ابنًا شرعيًا لأبيه إبراهيم، ولكن من جاريته هاجر التي في منزلة عبدته، وحقًا أن إبراهيم تشفع عن إسماعيل أمام الله، وأن الله أحب إسماعيل ووعد أن يباركه، ومع هذا فإن الله قال لإبراهيم أن عهده سيقيمه مع إسحق وليس إسماعيل"(3).






6- يقول أبونا تيموثاوس السرياني " الله الذي خلق إسحق هو الذي خلق إسماعيل، وقد أحبهما بالتساوي، وأعطاهما كليهما عهد الختان مع أبيهما، وقد اختار لكل منهما دورًا يؤديه طبقًا لخطته السامية نحو الجنس البشري، فقد اختار الله إسحق كأداة نبوية من نسله يأتي المسيح المخلص الذي يفدي البشرية، واختار الله إسماعيل كأداة تاريخية يتمم بها قصده من جهة العرب الساميين، ولذلك قال ملاك الرب لهاجر عندما هربت من وجه سارة {تكثيرًا أكثر نسلك فلا يُعدُّ من الكثرة... ها أنت حبلى فتلدين ابنًا وتدعين اسمه إسماعيل لأن الرب قد سمع لمذلتك} (تك 16: 10، 11) فواضح من النص أن الله دعى إسماعيل باسمه قبل أن يُولَد، وحضر إسماعيل استضافة أبيه لله والملاكين، ووعد الله إبراهيم أنه سيبارك ابنه إسماعيل ويثمره ويكثره (تك 17: 20، 21: 13) وحتى بعد طرد إسماعيل كان هو وأمه موضع عناية الله {وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء. فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام} (تك 21: 19) فإسماعيل يا صديقي ليس شخصًا مكروهًا من الله أو مرفوضًا، بل شخص له دوره في إعلان الله ومحبته ورحمته، وسيظهر هذا واضحًا جليًا عندما يقبل بنو إسماعيل الإيمان بالرب يسوع الفادي والمخلص"(4).



7- يقول الدكتور ملاك شوقي إسكاروس " أن الذبيح هو إسحق للأسباب الآتية:

أ - أن الله طلب من إبراهيم أن يقدم ابنه ذبيحة بعد أن أطلق هاجر وابنها.

ب- ليس من المعقول بعد أن أطلق إسماعيل وأمه، ولا يعلم أين ذهبا، يبحث عنهما، ويسترده من أمه، ليقدمه ذبيحة لإلهه، بينما ابنه إسحق يعيش معه وهو الأقرب إليه.

جـ- جاء في قصص الأنبياء للثعالبي أن إبراهيم قدم ابنه إسحق {قال السدى بإسناده لما فارق إبراهيم الخليل عليه السلام قومه... دعا الله أن يهب له ابنًا صالحًا من سارة، فقال ربّ هب لي من الصالحين، فلما نزل به ضيافة من الملائكة... بشروه بغلام حليم، فقال إبراهيم لما بُشر به هو إذًا لله ذبيح، فلما وُلِد الغلام وبلغ به السعي قيل له أوف بنذرك الذي نذرت قربانًا إلى الله تعالى، وكان هذا هو السبب في أمر الله خليله إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه، فقال إبراهيم عند ذلك لإسحق: أنطلق فقرب قربانًا لله تعالى، وأخذ سكينًا وحبلًا ثم انطلق معه حتى ذهب به بين الجبال، فقال له الغلام يا أبتِ أين قربانك فقال يا أبني إني أرى في المنام أني أذبحك... فأنظر ماذا ترى قال يا أبتِ أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين}".

د - جاء في تاريخ الطبري(5) {حدثني موسى بن هارون... وعن ناس من أصحاب رسول الله قال. قال جبرئيل عليه السلام لسارة أبشري بولد اسمه إسحق... قالت: أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخًا إن هذا لشيء عجيب، قالوا: أتعجبين من أمر الله... قالت سارة لجبرئيل. ما آية ذلك فأخذ بيده عودًا يابسًا فلواه بين أصابعه فاهتز أخضر، فقال إبراهيم: هو إذًا لله ذبيح، فلما كبر إسحق أتى إبراهيم في النوم فقيل له: أوف بنذرك الذي نذرت إن رزقك الله غلامًا من سارة أن تذبحه، فقال لإسحاق: أنطلق فقرب قربانًا إلى الله، وأخذ سكينًا وحبلًا ثم انطلق معه، حتى إذا ذهب به بين الجبال قال له الغلام: يا أبتِ، أين قربانك قال: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فأنظر ماذا ترى، قال: يا أبتِ أفعل ما تؤمر به ستجدني إن شاء الله من الصابرين. قال له إسحق: أشدد رباطي حتى لا أضطرب، وأكفف عن ثيابك حتى لا ينضح عليهما من دمي شيء فتراه سارة فتحزن. أسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون للموت عليَّ، وإذا أتيت سارة فأقرأ عليها السلام، فأقبل عليه إبراهيم عليه السلام يُقبّله، وقد ربطه وهو يبكي وإسحق يبكي حتى استنقع الدموع تحت خد إسحاق. ثم أنه جرَّ السكين على حلقه فلم يُحِك السكين، وضرب الله عز وجل صفيحة من نحاس على حلق إسحاق... فنودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا بالحق. التفت فإذا بكبش فأخذه وخلى عن ابنه، فأكب على ابنه يُقبَّله وهو يقول: يا بني اليوم وُهِبت لي، فذلك قوله عز وجل (وفديناه بذبح عظيم) فرجع لسارة فأخبرها الخبر، فجزعت سارة وقالت: يا إبراهيم أردت أن تذبح ابني ولا تعلمني}"(6).