فضائل في حياة السيدة العذراء
بنت السيدة العذراء حياتها على فضائل كثيرة، أهلتها لتنال ما لم تنله غيرها من بنات جنسها على مر العصور.. ومن المفيد لنفوسنا أن نلقي نظرة سريعة على بعض هذه الفضائل، كنموذج نتمثل به، يعيننا في رحلة حياتنا الأرضية لبلوغ غاية إيماننا.. خلاص نفوسنا..
1- فضيلة النعمة.
2- فضيلة الحوار.
3- فضيلة الاتضاع.
4- فضيلة التسليم.
1- فضيلة النعمة:
قال لها الملاك: "سلام لك أيتها الممتلئة نعمة" كلمة (نعمة = خاريس).. أصل الكلمة يقصد "فعل الروح القدس".. فعندما يعمل روح الله في الإنسان يملؤه من النعمة.. "أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم".. النعمة هي عمل الروح القدس.. فالعذراء وهي طفلة في الهيكل، فتحت قلبها لعمل الروح القدس، لذا كان طبيعياً أن يحل عليها الروح القدس عندما بشرها الملاك!!.. كانت في الهيكل إما تصلي أو تقرأ الأسفار المقدسة.. أو تخدم الذبيحة بطريقة ما.. وهكذا كان شبعها وكان امتلاؤها من النعمة!
فكيف يعمل الروح القدس فينا نحن، حتى نمتلئ من النعمة.. إن لأرواحنا غذاء روحانيا مشبعا، يؤهلنا لعمل الروح القدس فينا وفيض النعمة علينا..
ففي الكتاب المقدس نشبع بكلمة الله "وجد كلامك فأكلته فكان كلامك كالشهد في فمي".. من لا يقرأ الكتاب المقدس يجوع.. ومن يجوع يموت.. "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.. بل بكل كلمة تخرج من فم الله".. الخبز للجسد إذن كالكتاب المقدس للنفس، ومثلما يشبع الخبز الجسد، كذلك الكتاب المقدس أساسي لشبع النفس..
كذلك.. أنت عندما تصلى تتغذى وتشبع، لأن الصلاة تماماً كالحبل السري للجنين في بطن أمه، وبدون هذا الحبل السري يموت الجنين.. أيضاً يوجد بيننا وبين الله حبل سري.. إنه الصلاة.. الله يعمل فينا من خلالها.. هي بمثابة نسمة الحياة لنا!.. هي الأكسجين أو الغذاء.. في الصلاة نشبع بالسمائيات التي هي أجدى وأرقى بما لا يقاس من الأرضيات!!
وها نحن في العهد الجديد، لنا أيضا غذاء روحاني يفوق كل عقل.. فنحن نتغذى أيضاً من خلال الأسرار المقدسة "لأن من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه"!!
2- فضيلة الحوار :
لم يكن تعامل السيدة العذراء مع الله على أنه ساكن بالسموات، بينما هي هنا على الأرض تفصل بينها وبين الله مسافة كبيرة، لكنها كانت تحس أن الله أبوها، فكان لها حوار دائم معه، وهكذا، عندما بشرها الملاك بأنها ستحبل وتلد ابناً، كانت تستطيع أن تصمت على الأقل خوفاً ورهبة، ولكنها بدأت تسأل: "كيف يكون لي هذا" وكان رد الملاك لها محاولاً أن يوضح لها ويفسر ذلك.. "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك.." وكان سؤال العذراء استفساريا، ولم يكن حوارا به روح الشك، فالعذراء كان بينها وبين الله دالة، ما أحلى أن تكون هذه الدالة موجودة بينك وبين ربنا يسوع.
أنت لا تتكلم مع الله، وهو يسمع فقط، ولكن الله أيضاً يتكلم وأنت تسمع.. "تكلم يارب فإن عبدك سامع".. بيننا وبين ربنا حوار.. مناجاة.. محادثة.. لنتأمل في قصة السامرية.. 8 مرات يسألها الرب يسوع وتجيبه هي، وتسأله السامرية ويجيبها رب المجد... فالله الساكن في الأعالي لا يتركنا، ولكنه يريدنا أن نتحدث معه دائماً وأن نسمعه.. "هلم نتحاجج يقول الرب".. وها هو داود النبي يقول: "إني أسمع ما يتكلم به الرب الإله".. ليتنا نتعلم الحوار مع الله!!
3- فضيلة التواضع :
عندما أعلن لها الملاك أنها ستكون أما لله، كان ردها "هوذا أنا أمة الرب".. أي "عبدة".. خادمة.. تواضع لا مثيل له من السيدة العذراء، تواضع حقيقي.. نعم فأنت تضع في يا رب وتعطيني من محبتك، ولكن ما أنا إلا خادمة.. هل عندنا هذا التواضع الذي يحول الأم إلى أَمَة كلما انكسر الإنسان أمام الله كلما انتصر على التجارب، فالانكسار أمام الله، هو طريق الانتصار.. من يتواضع يرفعه الله "أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتواضعين".
كانت السيدة العذراء كلها وداعة، وكلها تواضع، فهذه سمة ظاهرة بجلاء في حياة السيدة العذراء.
4- فضيلة التسليم :
كانت هذه الفضيلة عجيبة حقا في حياة السيدة العذراء.. "ليكن لي كقولك"، تسبب لكِ متاعب.. يشك فيك يوسف.. لتكن مشيئتك يارب.. ربنا تدخل وأفهم يوسف!! وأين كانت الولادة لا بيت ولا فندق ولا حتى غرفة حقيرة.. إنه مزود حيوانات.. لتكن مشيئتك يارب، وها هم المجوس في زيارة المولود، يقدم المجوس ذهباً ولباناً ومراً.. إذن لماذا الألم يارب إنها رحلة صليب.. لتكن مشيئتك يارب، ويأتي سمعان ويقول: "إنه وضع لقيام وسقوط كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوَم.. لتكن مشيئتك يارب.. إنه كنز العذراء!
وحتى عند تعذيب اليهود له، وعند صعوده على الصليب.. كان التسليم عجيباً.. "أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك، الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابني وإلهي".. هل سألته لمن سوف تتركني لن ينساها.. إنه تسليم في كل مراحل الحياة.. لتكن مشيئتك! فهل نفعل نحن ذلك ونقول: "ليكن لي كقولك"!
أمام السيدة العذراء نذوب حباً لقداستها ولفضائلها، وخجلاً من أنفسنا.. نشعر بالنورانية الحلوة التي تشع منها، وننظر إلى سيرتها العطرة فنتمثل بإيمانها.. السيدة العذراء كانت ممتلئة نعمة.. تحاور الله في دالة متواضعة، تسلم حياتها لله كل الأيام.