متى عُرف الله باسم "يهوه" هل في أيام إبراهيم "فدعا إبراهيم اسم ذلك الموضع يهوه يراه. حتى أنه يُقال اليوم في جبل الرب يُرَى" (تك 22: 14) أم في أيام موسى كقول الرب له "وأنا ظهرت لإبراهيم وإسحق ويعقوب بأني الإله القادر على كل شيء. وأما باسمي يهوه فلم أُعرف عندهم" (خر 6: 3) كما أن اسم "جبل الرب " لم يُعرف إلاَّ عند بناء سليمان الهيكل في القرن العاشر قبل الميلاد... أليس هذا دليل على أن سفر التكوين كُتب أيام سليمان(1)
ويقول محمد قاسم " لم يعرف إبراهيم باسم "يهوه" وظهر هذا الاسم لأول مرة في زمن موسى حيث يقول الرب لموسى " أنا الرب وأنا ظهرت لإبراهيم وإسحق ويعقوب بأني الإله القادر على كل شيء. وأما بإسمي يهوه فلم أُعرف عندهم" (خر 6: 3) وكلمة " اليوم " تعني أن هذا الكلام كُتب بعد موسى بزمن طويل، لأن اسم " جبل الرب " أُطلق في أيام داود وليس قبل وفاة موسى"(2).
ويعلق على هذا الأمر "زينون كوسيدوفسكي" فيقول "في الحقيقة صادفنا اسم يهوه في التوراة في مقاطع سابقة لهذا المقطع، لكننا نعرف الآن أن مؤلفي التوراة قد أضافوا هذا المقطع في وقت متأخر جدًا، ويعتقد الكثير من العلماء أن يهوه كان إله الحرب عند المديانيين وأن موسى صار من أتباعه، ومنذ لحظة عودته إلى مصر، أخذ على عاتقه مهمة نشر طقوس عبادة يهوه بين الإسرائيليين"(3).
ويقول ناجح المعموري أن إبراهيم عَبَدَ "إيل" إله كل الأرض الذي لا يميز بين الأقوام، أما اليهود فقد عبدوا " يهوه " الذي لا يهتم إلاَّ بشعبه المختار " وورد مصطلح إيل -كما قال أحمد سوسه- في النصوص الكنعانية والأرامية ثم في النصوص المصرية التي ترجع إلى عصر الهكسوس... إن كلمة " إيل " بمعنى الإله الواحد، كانت معروفة في كنعان في عهد إبراهيم وفي عصر الهكسوس الذي يلي، أي قبل أن يظهر موسى واليهود بعدة قرون، ولما ظهر اليهود، عبدوا إلههم الخاص بهم الذي سُمي باسم " يهوه " الإله الذي لا يهمه من العالم والخلق سوى اليهود وشعبه المختار"(4).
وهل جبل الرب هو منطقة الصفا والمروة بمكة فيقول الدكتور سيد القمني " كاد (إبراهيم) يضحي بولده في (أرض المريا) لذلك سُمي الموضع (يهوه يراه) وأنه يُسمى اليوم، أو بتعبير التوراة يقال اليوم (جبل الرب يُرى) وهو ما تعنيه تمامًا اللفظة العربية (المروة) التي تتركب من ملصقين هي (إل = إله) و(مروة) أو (مروى) وتشير إلى الري والخصب. ولم تزل (المروة) موضعًا مقدَّسًا في بلاد الحجاز، باعتقاد أن قدسيته موروثة منذ أيام النبي إبراهيم، وشعيرة الهرولة بين الصفا والمروة أحد شعائر الحج الأساسية، ويتبعه ضمن الطقوس شعيرة الذبح"(5).
ج: 1- كان اسم " يهوه " معروفًا قبل موسى ولعل اسم "يوكابد" أم موسى حوى اسم يهوه (يو)، وقد استخدمه موسى 143 مرة في سفر التكوين، ولكن لم يكن معرفًا معناه أو مغزاه، وهذا ما كشفه الله لموسى عندما أعلن عن نفسه أنه حافظ ومتمم العهد (خر 6: 4، 5) وأن معنى الاسم أهْيَه الذي أهْيَه = أكون الذي أكون = Jam Who Jam = أنا الذي أنا = أنا هو = الذي أنا هو = أنا هو الكائن = I am Being(6).
2- يقول أبونا أغسطينوس الأنبا بولا " متى عُرف اسم يهوه كان اسم يهوه معروفًا منذ آدم (تك 4: 1، 22: 14) ولكن ليس بكامل معنى الاسم أنه هو الكائن السرمدي، أو أنه هو الوجود، وأول مرة يعلن فيها الله المعنى المُشار إليه عندما ظهر لموسى في العليقة"(7).
3- يقول الأستاذ الدكتور يوسف رياض " حين قال إبراهيم " يهوه يرأه " كانت هذه التسمية من قبل إبراهيم، دون أن يعلن له الرب هذا الاسم. أما إعلان الرب عن اسمه يهوه فجاء في ظهوره لموسى "(8).
4- يقول جوش مكدويل " قال مارتن بمعنى آخر: هم عرفوا الله باسمه " يهوه " ولكن ليس بالسمات الشخصية الخاصة بيهوه... إن مجال هذه الكلمة يغطي ليس فقط " الاسم " ولكنه أيضًا يُشير إلى الصفات المميزة للشيء الذي أُعطي له هذا الاسم. ربما يرمز للسمعة، الشخصية، الكرامة، والشهرة(9).. إن شرح النُقَّاد الشائع لهذه الآية يُبنى على سوء الفهم الكامل للغة العبرية. عندما يقرر الكتاب المقدَّس أن إسرائيل، أو الأمم، أو فرعون " سوف يعرفون أن الله هو السيد " فإن هذا لا يعني أنهم سوف يُخبرون أن اسمه هو يهوه (السيد).. في حزقيال فإن الجملة " أنهم سوف يعرفون إني أنا السيد " تتكرر أكثر من 60 مرة(10).
يقرر رافين: أن كلمة " ليعرف " في العهد القديم عادة ما تتضمن فكرة فهم وإدراك، وتعبير " ليعرفوا باسم يهوه " أُستخدم عدة مرات بهذا المعنى وهو فهم وإدراك الصفة الإلهية المميزة (1مل 8: 43، مز 9: 11، حز 39: 6، 7) كل هذا يُبيّن معنى أن إبراهيم وإسحق ويعقوب عرفوا الله كإله القوي ولكن ليس كإله العهد"(11)(12).
5- دُعي جبل المريا بجبل الله لأن الله تجلى فيه لعبده إبراهيم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وفي أي مكان يتجلى فيه الله يمكن أن ينسب إليه، فالمكان الذي رأى فيه يعقوب حلمه " وإذ سُلَّم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء. وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. وهوذا الرب واقف عليها" (تك 28: 12، 13).. " دعا (يعقوب) اسم ذلك المكان بيت إيل" (تك 28: 19) وبيت إيل أي بيت الله.
6- ذكر موسى ظهور الله لإبراهيم منذ نحو 350 سنة مضت، وفي عصر موسى كان الناس يدعون ذلك المكان " جبل الرب يُرى " فذكر موسى هذا المثل الشائع في أيامه ليؤيد قصة إبراهيم وتقديم إسحق على جبل المريا، وبعد مرور أكثر من أربعمائة سنة بنى سليمان هيكل الله في ذات الموضع.
7- ردًا على القول بأن مؤلفي التوراة قد أضافوا هذا المقطع في وقت متأخر يرجى الرجوع إلى نظرية المصادر والرد عليها(15).
8- ردًا على ما ذكره زينون كوسيدوفسكي بأن كثير من العلماء يرون أن يهوه إله الحرب عند المديانيين، لم يذكر سيادته ما هي حججهم وأسانيدهم في هذا.. ثم لو كان يهوه هو إله الحرب عند المديانيين فهو إذًا ليس هو الإله الحقيقي القادر على كل شيء، فكيف أنزل الضربات العشر على المصريين وكيف شق البحر أمام بني إسرائيل !
9- أرجع الدكتور سيد القمني جبل المريا إلى موضع الصفا والمروة بالحجاز، وقال أن سبب تقديس ذلك الموضع هو المكان الذي قدم إبراهيم ابنه إسحق، والحقيقة أن إبراهيم لم يذهب للجزيرة العربية قط، كما أن الدكتور سيد القمني ذكر في موضع آخر أن السعي بين الصفا والمروة من عادات الجاهلية لاعتقادهم بأن يوسف ضاجع نائلة داخل الكعبة فتحولا إلى نصبان، فيقول " وتقول كتب التراث الإسلامي: أن الصفا والمروة كانا مقدسين قبل الإسلام بزمان وظلا مقدسين في العصر الجاهلي، وكان الجاهليون يهرولون بينهما لأنه على الصفا كان الصنم (أساف).. أي يوسف، وأن على المروة كان الصنم (نائلة) وأن يوسف في الأسطورة قد جامع نائلة داخل الكعبة، لذا نشأ طقس الهرولة بينهما في الجاهلية، مدًا وإيصالًا لحبل الوصال بينهما، وهذا الجماع كان بدوره أحد طقوس عبادة الخصب في الديانات القديمة"(13).
10- جاء في دائرة المعارف " أرض المريا" (تك 22: 2) هي الأرض التي أمر الرب إبراهيم أن يذهب إليها ليصعد ابنه وحيده الذي يحبه إسحق محرقة على أحد جبالها. والأرجح أنه كان أحد تلال أورشليم، الذي بني عليه سليمان الهيكل، في المنطقة التي كان يشغلها بيدر أرنان اليبوسي (2 أخ 3: 1، 2 صم 24: 16 - 25) ويعتقد اليهود أن مذبح المحرقة في الهيكل كان يقوم على نفس الموقع الذي بنى عليه إبراهيم المذبح لإصعاد إسحق محرقة"(14).