الراقد فى الصندوق
حدثت هذه القصة فى مدينة "قيسارية " بآسيا الصغرى منذ أكثر من 1700 عام.
تقابل الرجلان اليهوديان "شالوم" و "أشير" و تبادلا التحية ثم قال شالوم لزميله:
أراك متهللاً.. و ابتسامة غير عادية لا تفارق شفتيك.
فقال أشير لأن فى رأسى فكرة رائعة سنفرح بها معاً. و نتسلى و نكسب!
نكسب!.. إذن فأشرح لى..
- إسمع يا شالوم ، أنه قد وصلت إلى أذنيك أنباء عن أغريغوريوس بطريرك المسيحيين.
- نعم.. سمعتهم يقولون عنه إنه قديس عظيم و أن آيات و عجائب تجرى على يديه لدرجة أنهم أعطوه لقب "صانع العجائب". هذا إلى جانب ما عرف عنه شغفه بعمل الرحمة و عدم رده أى سائل يقصده.
- جميل جداً.. فما رأيك فى تمثيلية نؤديها نكسب بها مالاً من هذا الرجل ، و نبرهن للناس أنه رجل عادى لا يستحق الكرامة العظيمة التى أعطيت له.
- تمثيلية لا أفهم شيئاً مما تقول.
- إسمع! الأمر لا يتطلب سوى أن نستعير تابوتاً (صندوقاً للموتى) من جارنا و صديقنا (سمعان) صانع التوابيت. ثم ترقد أنت داخله بعض الوقت ممثلاً دور ميت ، و أذهب أنا إلى إغريغوريوس مدعياً أنك أخى و أن قد توفاك الله. و أنى فقير جداً ، عاجز عن أداء تكاليف الجنازة و الدفن.
- و سوف يصدقك الرجل الطيب و يهبك بعض ماله فترجع به إلى لنتقاسمه.
- صح ، هذا ما قدرته بالضبط.
- فكرة زكية يا أخى .. صحيح إنها خبيثة و لكن لا بأس ما دمنا فى النهاية سنذوق حلاوة مال أسقف المسيحيين.
و اتجه الخبيثان نحو حانوت (سمعان) و أفهماه الخطة كاملة فضحك و قال: جميل جداً.. الظاهر أننا سوف نضحك اليوم كثيراً.. و لكن أتظنان أنى أسمح أن أخرج أنا من هذا المولد بلا حمص لا! قد تجوز الحيلة على الأسقف و لكن لا تجوز على. لن أسلفكما الصندوق إلا إذا تعهدتما بأن نقتسم نحن الثلاثة بالتساوى ما سوف يعطيكما الأسقف! و وافق الخبيثان مضطرين.. و رقد "شالوم" فى الصندوق.
و ذهب أشير إلى القديس إغريغوريوس و إنحنى أمامه راكعاً ، و هو يقول بصوت تخنقه الدموع: يا سيدى أعنى ، لقد مات أخى ، إنه يرقد هناك فى صندوقه ، و ليس معى نقود لأدفنه. فهل من صدقة منك يا سيدى
و تحسس الأنبا إغريغوريوس جيوبه ثم قال فى شبه اعتذار ليس معى الآن نقود يا ولدى! و لكن لن أصرفك فارغاً.
و خلع البطريرك القديس ثوبه الخارجى و دفعه إلى السائل قائلاً: خذ يمكنك أن تبيع هذا و تستفيد بثمنه فى فك أزمتك ، لا تحزن يا ولدى ، البقية فى حياتك ، تشدد و الرب يعزيك.
و جرى الخبيث بالثوب إلى صديفه الراقد بالصندوق و رفع الغطاء و صاح: قم يا شالوم لقد جازت الحيلة على إغريغوريوس هذا الذى يقولون عنه صانع المعجزات و كاشف المستورات.
و لكن يا للعجب! لم يقم الراقد و لم يصدر منه أى رد فهزه زميله بعنف و لمنه ظل صامتاً لا يتحرك.
إنه جثة جامدة.. لا حرارة و لا نبض و لا أنفاس.
لقد مات شالوم فعلاً.
صرخ أشير مرتعداً و لطم خديه و صوت كالنساء و كانت دموعه تنزل بغزارة.
و خرج سمعان صانع التوابيت و تحقق الخبر.
و ظهرت كرامة الأسقف رجل الله. و حمل مدعى الموت (و الذى أماته الرب فعلاً) إلى القبور و بكى أشير و سمعان طويلاً و كانا يتوقعان أن يضحكا طويلاً