هل حقًا إن الكتابة لم تكن معروفة في زمن موسى النبي وما هي المواد التي كتبوا عليها وما هي الأدوات التي استخدموها في الكتابة حينذاك
2- الكتابة لم تكن معروفة حينذاك:
ج: أ- عُرِفَت الكتابة في الشرق الأوسط نحو سنة 3100 ق.م وعرفت الحروف الأبجدية في الألف الثانية قبل الميلاد، فمثلًا عرفت اللغة الهيروغليفية في مصر منذ الأسرة الفرعونية الأولى نحو 3000 ق.م وكانت لغة تصويرية، فهي عبارة عن صور تعبر عن أشياء تمثلها، مثلما نقول "ب بطة" فتصبح صورة البطة معبرة عن حرف الباء وهكذا... وظهر من الهيروغليفية الهيراطيقية والديموطيقية، فالهيراطيقية ذات حروف متصلة حيث تم اختزال الصور إلى رموز، وهي بالنسبة لليروغليفية أشبه بخط اليد بالنسبة لحروف الطباعة، وظهرت هذه اللغة الهيراطيقية بعد الهيروغليفية بقليل، وظلت مستخدمة حتى القرن الرابع الميلادي. أما الديموطيقية فهي أكثر اختصارًا من الهيراطيقية وقد ظهرت في القرن السابع قبل الميلاد وظلت مستخدمة حتى القرن الخامس الميلادي، وكانت الكتابات المقدسة تكتب باللغة الهيروغليفية، والكهنة يكتبون الهيراطيقية، والشعب كان يكتب الديموطيقية. وبعد أن توقف استخدام هذه اللغات ظلت مجهولة لمدة ثلاثة عشر قرنًا، حتى سنة 1822م حيث استطاع العالم الفرنسي شامبليون فك رموزها بواسطة اكتشاف حجر رشيد الذي يرجع إلى سنة 196 ق.م وكان مكتوبًا باللغات الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية.
ب- عرفت الكتابة الأكادية (وهي نوع من الكتابات المسمارية Cuneiform) في بابل سنة 3100 ق.م.، وكانت كتابة تصويرية، وكتبت على الأحجار وقوالب الطين، وظلت تتطور حتى سنة 2800 ق.م، وانتشرت خارج بلاد النهرين فاستخدمت في اللغات السومرية والبابلية والأشورية، وخلال الفترة بين القرنين الخامس عشر والثالث عشر قبل الميلاد استخدمت هذه اللغة الأكادية في بلاد فلسطين، وقد تم اكتشاف ألواح مسمارية في تعنك وشكيم وافيق وتل الحصى وجازر وحاصور وأريحا، وفي سنة 155م تم اكتشاف جزء من ملحمة جلجامش في مجدو.
ج- عرفت الكتابة البهستانية المعروفة بالخط المسماري في قارتيّ آسيا وأفريقيا أيام إبراهيم أب الآباء، وعثر في أور الكلدانيين على آثار لمدارس بها أعداد وافرة م ألواح اللبن التي كان التلاميذ يتعلمون فيها وعليها دروس للقراءة والنحو والنظريات الرياضية والحسابية، كما أستخدم الخط المسماري في بابل في عهد إبراهيم أيضًا، حتى أنه كان لبابل مؤسسة للمراسلات البريدية التي تصل إلى مستعمراتها في الأماكن البعيدة، وفي بابل كان عدد كبير من المدارس والمكتبات وكان الرجال يتعلمون القراءة والكتابة.
د- في المتحف البريطاني توجد رسالة مكتوبة على ورق البردي بعنوان " حل المشكلات " وتشمل مجموعة مسائل حسابية وهندسية بالكسور والدوائر ومقاييس الهرم وبعض مثلثات وإشارات جبرية، ورمز للجمع برجلين متقدمين للأمام والطرح برجيلين ترجعان للخلف، وقد حررها (أحميس) أحد كهنة قدماء المصريين، وتلقب برسالة " رند " وهي صورة رسالة يرجع تاريخها إلى سنة 3400 ق.م، وفي متحف "تورين" يوجد بردية كتبت في مصر وتشمل على وثيقة من عهد تحتمس الثالث، وهي قبل موسى بقرنين من الزمان.
ه- تم اكتشاف برديات مصرية ترجع إلى سنة 2700 ق.م بعضها بأطوال كبيرة، وبعضها مزين برسومات مثل كتاب الموتى، كما وجد أن بردية " ايبرس "التي تحوى معلومات طبية ترجع إلى القرن السادس عشر قبل الميلاد، وبردية " هاريس "التي يبلغ طولها 133 قدمًا وبها منجزات رمسيس الثالث ترجع إلى منتصف القرن العاشر قبل الميلاد.
و- في سنة 1888م تم اكتشاف أكثر من 300 قالب طوب في العمارنة بدير مواس مكتوب عليها بالقلم المخروطي ويرجع تاريخها إلى ما قبل زمن موسى بنحو 150 سنة، وقد تم نقل معظمها إلى برلين بألمانيا والباقي إلى لندن، وفي سنة 1929م عثر في رأس شمرا بشمال سوريا على مخطوطات قديمة يرجع تاريخها إلى القرن الخامس عشر وأوائل القرن الرابع عشر قبل الميلاد، مما يؤكد أن الكنعانيين عرفوا الكتابة حينذاك، وفي سنة 1935م تم اكتشاف نحو عشرين ألف لوحة في منطقة تل الحريري Tell Hariri على نهر الفرات يرجع تاريخ معظمها إلى ما قبل سنة 1500 ق.م.
ز- تم اكتشاف كتابة بالحروف الهجائية في تل عيد دوير بالقرب من أورشليم وهي التي ذكرت باسم لخيش (بش 10: 3)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. منها نقش على حجر يرجع تاريخه إلى نحو 1600 ق.م، وتم اكتشاف كتابات باللغة السينانية الأولية في سيرابيط الخادم Serabite El Khadim بشبة جزيرة سيناء، كتبها بعض الرجال الأسيون الذين كانوا يعملون في أحد مناجم سيناء، وقد أرجع العالم الكبير ألبرايت W.F. Albright إلى سنة 1500 ق.م.
ح- أيوب الصديق الذي عاش قبل موسى النبي لو أن كلماته تكتب "ليت كلماتي تكتب. يا ليتها رسمت في سفر. ونقرت إلى الأبد في الصخر بقلم حديد وبرصاص" (أي 19: 23،24) ولو لم تكن الكتابة معروفة في أيام موسى فكيف يأمره الله بالكتابة " أكتب هذا تذكارًا في الكتاب، وضعه في مسامع يشوع" (خر 17: 14)..! وإن كانت الكتابة قد عرفت بعد موسى بنحو مائتي سنة لبعض العامة في أرض فلسطين، فعندما أمسك (جدعون) غلامًا من أهل سكوت وسأله فكتب له (الغلام) رؤساء سكوت وشيوخها سبعة وسبعين رجلًا" (قض 8: 14).. فهل يعقل أن الكتابة لم تكن معروفة في مصر قبل هذا التاريخ بنحو مائتي أو ثلثمائة عام! وهل يعقل أن موسى الذي كان قائدًا عظيمًا كان يجهل الكتابة..! يذكر يوسيفوس أن موسى قاد فرقة عسكرية إلى الحبشة واستولى على مدينة سبأ وكان عمره أربعين عامًا.
ط- يرى مستر " سايس " والكولونيل " كوندر " والدكتور " نافل " أنه لا بُد أن موسى كتب التوراة بالخط المسماري على ألواح من الأجر حيث تكتب على ألواح طينية ثم تحرق في النار كما كانت عادة المصريين القدماء، وقال مسيو " جريبو " في رسالته التي كتبها عن رسالة شامبليون أن الكتابة على الرقوق والبردي كانت معروفة أيام موسى النبي، وقال " بليك " Bleek أن استخدام الكتابة قبل عصر موسى بين العبرانيين أمر معترف به الآن بصفة عامة(1) ، ولاحظ ايولد Ewald أن كلمات "كتابة", "كتب" و"سفر" و"حبر" كانت شائعة في كل فروع ولهجات اللغة السامية عدا الأثيوبية والعربية الجنوبية.
ى- يعترف القرآن بأن الله كتب لموسى على الألواح " ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك... قال يا موسى إن أصطفيتك... وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة" (سورة الأعراف 143-145).
ويجدر الإشارة هنا إلى مواد وأدوات الكتابة التي أستخدمها الإنسان حينذاك: مواد الكتابة: استخدم الإنسان الأسطح الملساء للنقش أو الكتابة عليها، ومن المواد التي استخدمها الإنسان للكتابة ما يلي:
الأحجار - الشقف - الألواح - ورق البردي - القوالب الطينية - الجلود - الرقوق - أدوات الكتابة
1 - الأحجار: كانت الكتابة تنقش على الأحجار بواسطة أقلام من حديد كما تمنى أيوب أن تنقر كلماته في الصخر يقلم من حديد (أي 19: 24) وكانت الأحجار تعد كألواح مثل لوحي الشريعة " لوحان مكتوبان على جانبيهما. من هنا ومن هنا كانا مكتوبين، واللوحان هما صنعة الله والكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين" (خر 32: 15-16) وعندما كسرها موسى " قال الرب لموسى أنحت لك لوحين من حجر مثل الأولين. فأكتب أنا على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الأولين اللذين كسرتهما" (خر 34: 1) وهنا يظهر اهتمام الله الواضح على تدوين الشريعة كتابة، وأيضًا كان الإنسان ينقش الكتابة على الأعمدة والمسلات وجدران المعابد والمقابر كما نرى في الحضارة المصرية القديمة، كما إن حمورابي نقش شريعته على لوحي حجر.
2- الشقف: وهو قطع الخزف وكان يستخدم في الكتابات القصيرة بواسطة قلم أو فرشاة وحبر، وأيضًا كان الإنسان يكتب على الأواني الفخارية سواء قبل أو بعد حرقها، وكانت تستخدم بكثرة لتوفرها ورخص ثمنها، وقد تم اكتشاف أعداد كبيرة منها في مصر وسوريا والعراق فلسطين.
3- الألواح: وكانت تصنع من الخشب أو العاج وتتطلى بطبقة من الشمع ولها حافة لحفظ الشمع، وكان الإنسان يكتب عليها بآلة حادة، ولعل إشعياء استخدم مثل هذه الألواح " وقال لي الرب خذ لنفسك لوحًا كبيرًا وأكتب عليه بقلم.." (أش 8: 1).. " فقال الآن أكتب هذا عندهم على لوح وأرسمه في سفر" (أش 3: 8) وكان أحيانًا يثقبون هذه الألواح ويجمعونها بواسطة مفصلات لتكون كتابًا. وقد تم اكتشاف مثل هذه الألواح في نمرود " أشور " ويرجع تاريخها إلى سنة 705 ق.م، وقد ظلت هذه الألواح تستخدم في العصور اليونانية والرومانية.
4- ورق البردي: كان نبات البردي ينمو بكثرة في مصر بالمياه الراكدة بالمستنقعات والبرك التي كان يخلفها الفيضان على جانبي النهر، وتفنن الإنسان المصري في الاستفادة من هذا النبات، فكان يستخدم الجذور عوضًا عن الأخشاب في الوقود وفي صنع السلال والجوالق والأسفاط، وأستخدم سيقان النبات في صنع القوارب، وأستخدم اللحاء الداخلى في نسج الثياب والزكايب والحبال والحصر، وصنع الإنسان المصري القديم لفائف البردي من سيقان النبات، بوضع شرائح بالعرض وأخرى بالطول وبينهما سائل طينى وتضغط في مكابس وتجفف في الشمس وتطرق بشدة ويصقل وجهها بحجر الخفاف فتصبح متينة وصالحة للكتابة، وكان يمكن عمل مجلد من هذه الأوراق بحيث لا تزيد عن عشرين ورقة، ويمكن استخدامها للكتابة أكثر من مرة، فعندما تبهت الكتابة يمكن إزالتها والكتابة على اللفافة مرة أخرى، وتحتاج هذه اللفائف لحفظها جو جاف فتظل آلاف السنين سليمة، ولذلك معظم اللفائف التي تم اكتشافها خرجت إلينا من صعيد مصر، كما أن مخطوطات وادي قمران شملت بعض لفائف البردي.
5- القوالب الطينية: وتم استخدامها بكثرة في بابل لعدم توفر الأحجار والصخور، وهي مثل اللبنة التي أستخدمها حزقيال " وأنت يا ابن آدم خذ لنفسك لبنة وضعها أمامك وأرسم عليها مدينة أورشليم" (حز 4: 1) وكانوا يحرقون هذه القوالب لتكتسب صلابة أقوى، وتم اكتشاف فرن في "أوغاريت" لحرق ألواح الطين يرجع تاريخها إلى سنة 1200 ق.م. ووجد بداخلها بعض الألواح التي لم تحرق بعد.
6- الجلود: استخدم الإنسان جلود الماعز والأغنام والحيوانات الأخرى بعد بجفيفها ونزع الشعر عنها، وكان من الممكن محو الكتابة بغسلها بالماء.
7- الرقوق: وهي جلود حيوانات بعد معالجتها بطريقة خاصة لتصبح أكثر نعومة وأسهل في الكتابة، وأفضل هذه الرقوق هي نوع Velum المصنوع من جلد العجول.
أدوات الكتابة: استخدم الإنسان أدوات للكتابة تناسب المواد المستخدمة، فاستخدم القلم الحديد (أي 19: 24) وأحيانًا كانوا يصنعون له سنًا من الماس (أر 17: 1) للنقش على الأحجار أو المعادن، واستخدم الإنسان أقلام من القصب (الغاب) للكتابة بالحبر، وكان يستخدم المبرأة لتهذيب هذه الأقلام (أر 36: 23) أما الحبر فكان يوضع في دواة الكاتب (حز 9: 2) وكانوا يصنعونه من السناج المخلوط بالصمغ أو الزيت للكتابة على الرقوق، أو يخلطونه بمادة معدنية للكتابة على أوراق البردي، وخلطه كتبة اليهود بعسل النحل النقي، كما أستخدم الرومان الحبر المستخرج من سمك الحبار(2).