تختلف الكنائس المسيحية فيما بينها بعدد الأسفار المقدسة الموحى بها فالكنيسة الكاثوليكية مثلاً ومعها الأرثوذكسية تؤمن بـثلاثٍ وسبعين سفراً مقدساً ( انظر الترجمة الكاثوليكية / دار المشرق ) ، بينما الكنيسة البروتستانتية تؤمن بـستٍ وستين سفراً مقدساً فقط ، وترفض ما زاد عن ذلك من أسفار ( انظر ترجمة فاندايك / دار الكتاب المقدس ) .

أولاً : الأدلة التي تتمسك بها الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية :

جاء في مقدمة الكتاب المقدس للأسفار القانونية الثانية - طبعة مكتبة المحبة بالقاهرة الآتي :
لا يتضمن الكتاب المقدس الذي بين أيدينا اليوم ( طبعة دار الكتاب المقدس ) بعضاً من الأسفار المقدسة حذفها البروتستانت ، ومع ذلك فإن الأرثوذكس والكاثوليك في كافة أنحاء العالم يؤمنون بقانونيتها. وهذة الأسفار يطلق عليها " الأسفار القانونية الثانية التى حذفها البروتستانت " . أما البروتستانت فيسمونها " الأبوكريفا " وهى كلمة معناها ( المخفية ) وهم يعتبرونها بهذا المسمى من وجهة نظرهم أسفاراً مدسوسة لأنها لا ترقى إلى مستوى الوحي الإلهي كما يقولون وهي تضم موضوعات غير ذات أهمية وخرافات لا يقبلونها 0

بيان هذه الأسفار :

هذه الأسفار المحذوفة هي :

1_ سفر طوبيا ، ويضم 14 أصحاحا ، ومكانه بعد سفر نحميا.
2 _ سفر يهوديت ، ويضم 16 أصحاحاً ، ومكانه بعد سفر طوبيا.
3 _ تتمة سفر أستير ، وهو يكمل سفر أستير الموجود فى طبعة دارالكتاب المقدس . ويضم الإصحاحات من 10 _ 16.
4 _ سفر الحكمة لسليمان الملك , ويضم19 أصحاحاً ومكانه بعد سفر نشيد الأنشاد .
5 _ سفر يشوع بن سيراخ , ويضم 51 أصحاحاً ويقع بعد سفر الحكمة.
6 _ سفر نبوة باروخ , ويضم سته أصحاحات . ومكانه بعد سفر مراثى أرميا.
7 _ تتمة سفر دانيال , وهو مكمل لسفر دانيال الذى بين أيدينا طبعة دار الكتاب المقدس . ويشمل بقية أصحاح 3 , كما يضم إصحاحين أخرين هما 13 , 14.
8 _ سفر المكابيين الأول , ويضم 16 أصحاحاً .ومكانه بعد سفر ملاخى.
9 _ سفر المكابيين الثانى , ويضم 15 أصحاحاً . ومكانه بعد سفر المكابين الأول.

لماذا حذف البروتستانت هذه الأسفار

تتلخص الأسباب التي من أجلها لم يعترف البروتستانت بهذه الأسفار بل حذفوها من الكتاب المقدس في الآتي :

1_ يقول البروتستانت أن هذه الأسفار لم تدخل ضمن أسفار العهد القديم التي جمعها عزرا الكاهن لما جمع أسفار التوراة سنة 534 ق.م ?

والرد على ذلك أن بعض هذه الأسفار تعذر العثور عليها أيام عزرا بسبب تشتت اليهود بين الممالك . كما أن البعض الآخر منها كتب بعد زمن عزرا الكاهن .

2 _ يقولون أنها لم ترد ضمن قائمة الأسفار القانونية للتوراة التي أوردها ( يوسيفوس ) المؤرخ اليهودي في كتابه .?
والرد على ذلك أن يوسيفوس نفسة بعد أن سرد الأسفار التي جمعها عزرا كتب قائلاً ( إن الأسفار التي وضعت بعد أيام ارتحستا الملك كانت لها مكانتها عند اليهود . غير أنها لم تكن عندهم مؤيدة بالنص تأيد الأسفار القانونية لأن تعاقب الكتبة الملهمين لم يكن عندهم في تمام التحقيق ) كتابة ضد إيبون رأس 8.

3 _ يقولون أن لفظة ( أبو كريفا ) التى أطلقت على هذة الأسفار ?

وهى تعنى الأسفار المدسوسة والمشكوك فيها , كان أول من استعملها هو ( ماليتون ) اسقف مدينه سادوس فى القرن الثانى الميلادى . وإذاً فالشك فى هذة الأسفار قديم . ونقول نحن أن أسفار الأبوكريفا الأصليه هى أسفار أخرى غير هذه . فهناك أسفار أخرى كثيرة لفقها اليهود والهراطقة وقد رفضها المسيحيون بإجماع الآراء . وإذا فلا معنى أن نضع الأسفار القانونية المحذوفة فى مستوى هذه الأسفار التى أجمع الكل على رفضها.

4 _ يقولون أن بعض الآباء اللآهوتيين القدامى والمشهود لهم وخصوا منهم أوريجانوس وإيرونيموس لم يضموا هذه الأسفار فى قوائم الأسفار القانونية للعهد القديم .بل ان إيرونيموس الذى كتب مقدمات لأغلب أسفار التوراة وضع هذه الأسفار المحذوفة فى مكان خاص بها بأعتبارها مدسوسة ومشكوك فى صحتها

ونرد على ذلك بأنه , وإن كان بعض اللاهوتيين أغفلوا قانونية هذه الأسفار أول الأمر , إلا أنهم ومنهم أويجانوس وإيرونيموس عادوا وأقروا هذه الأسفار واستشهدوا بها .كما نضيف أيضاً أنه وإن البعض القليل لم يورد هذه الأسفار ضمن قائمة الأسفار الخاصة بالتوراة اعتماداً على كلام يوسيفوس المؤرخ اليهودى او استناداً لآراء بعض اليهود الأفراد الذين كان مذهبهم حذف أجزاء الكتاب التى تقرعهم بالملائمة بسبب مخازيهم وتعدياتهم , إلا أن الكثيرين من مشاهير آباء الكنيسة غير من ذكرنا اعترفوا بقانونية هذه الأسفار وأثبتوا صحتها واستشهدوا بما ورد فيها من آيات. ومن أمثلة هؤلاء إكليمندس الرومانى وبوليكربوس من آباء الجيل الأول ،وإيريناوس من آباء الجيل الثانى ، وإكليمندس الاسكندرى ود يوناسيوس الاسكندرى وأوريجانوس وكبريانوس وترتوليانوس وأمبروسيوس وإيلاريوس ويوحنا فم الذهب وإيرونيموس وأغسطينوس من آباء الجيل الرابع . وغير هؤلاء أيضا مثل كيرلس الأورشليمى وإغريغوريوس النرينزى والنيصى وأوسابيوس القيصرى . وكل هؤلاء نظموا هذة الأسفارضمن الأسفار القانونية للكتاب واستشهدوا بها فى كتبهم ورسائلهم وتفاسيرهم وشروحاتهم وخطبهم وردودهم على المهرطقين والمبتدعين . وقد وردت شهادات هؤلاء الآباء عن الأسفار المحذوفة وباقى أسفار الكتاب المقدس فى الكتاب المشهور ( اللاهوت العقيدى ) تأليف ( فيات ).

5 _ يقول البروتستانت أن اليهود لم يعترفوا بهذه الأسفار خصوصاً وانها فى الغالب كتبت فى وقت متأخر بعد عزرا فضلاً عن أن هناك أمور تحمل على الظن أن هذه الأسفار كتبت أساساً باللغة اليونانية التى لم يكن يعرفها اليهود

ونرد على هذا بالقول أن اليهود وإن كانوا قد اعتبروا هذه الأسفار أولاًً فى منزلة أقل من باقى أسفار التوراة بسبب أن تعاقب الكتبة الملهمين لم يكن عندهم فى تمام التحقيق , إلا أنهم بعد ذلك اعتبروا هذة الأسفار فى منزلة واحدة مع باقى الأسفار . كما أن الظن بأن هذة الأسفار غالباً كتبت أصلاً باللغة اليونانية , يلغيه أن الترجمة السبعينية التى ترجمت بموجبها جميع أسفار التوراه من اللغة العبرية الى اللغة اليونانية , وكانت ترجمتها فى الاسكندرية فى عهد الملك بطليموس الثانى فيلادلفوس سنة 285 ق.م . لفائدة اليهود المصريين الذين كانوا لايعرفون العبرية بل اليونانية .... هذه الترجمة لأسفار التوراة تضمنت الأسفار المحذوفة دليلاً على أنها من الأسفار المعتمدة من اليهود ودليلاً على أنها لم تكتب أصلاً باليونانية . هذا بالاضافة إلى أن النسخ الأثرية القديمة المخطوطة الأخرى من التوراة وهى النسخ السينائية والفاتيكانية والاسكندرية وكذلك النسخة المترجمة للقبطية التى تعتبر أقدم الترجمات بعد السبعينية وكذا الترجمات القديمة العبرية ومن بينها ترجمات سيماك وأكويلا وتاودوسيون والترجمة اللاتينية والترجمة الحبشية , تضمنت جميعها الأسفار المحذوفة حتى الآن فى مكتبات لندن وباريس وروما وبطرسبرج والفاتيكان.

6 _ يقول البروتستانت أن هذة الأسفار لا ترتفع الى المستوى الروحى لباقى أسفار التوراة ولذا فلا يمكن القول أنة موحى بها

ونحن نقول ان البروتستانت اعتادوا فيما يتعلق بالعقائد الأساسية والمعلومات الإيمانية ان يقللوا من أهمية الدليل على صدقها دون أن يبينوا سبب ذلك بوضوح . وهى قاعدة واضحة البطلان . ونضيف أن الأسفار التى حذفها البروتستانت تتضمن أحداث تاريخية لم يختلف المؤرخون على صدقها . كما أنها تعرض لنماذج حية من الأتقياء القديسين . فضلاً عن أنها تتضمن نبؤات عن السيد المسيح وكذا أقوالاً حكيمة غاية فى الكمال والجمال ولا معنى إذاً للقول أن الاسفار التى حذفوها غير موحى بها.

فذلكة تاريخية تؤكد صحة الأسفار المحذوفة:

مع احترمنا لمبدأ الحوار والمناقشة الحرة مع البروتستانت , وقد سبق أن فندّنا ادعاءاتهم بشأن عدم قانونية الأسفار المحذوفة , نأتى هنا ببعض الكلمات والأحداث التي لا سبيل لإنكارها لنؤكد صدق وصحة هذه الأسفار :

1 _ واضح من دراسة تاريخ البروتستانت والكنيسة أنها مذهب مبنى على المعارضة والاحتجاج وقد قامت بالفعل حروب بين البروتستانت والكنيسة البابوية برئاسة البابا بولس العاشر قتل فيها عشرات الآلاف وأحرقت ودمرت فيها بعض المدن ومئات من الكنائس والأديرة . وقد اشتهر ( مارتن لوثر ) قائد الثورة البروتستانتية وبعض أتباعه بالشطط والكبرياء . ومن أقوال لوثر المشهورة ( إننى أقول بدون إفتخار أنة منذ ألف سنة لم ينظف الكتاب أحسن تنظيف ولم يفسر أحسن تفسير ولم يدرك أحسن إدراك أكثر مما نظفتة وفسرتة وأدركتة ) ونظن أنه بعد هذا الكلام لانتوقع منة إلا أن يحذف من الكتاب بعض الأسفار الموحى بها . بل إن لوثر وأتباعة حذفوا فى زمانهم أسفاراً أخرى من العهد الجديد مثل سفر الأعمال ورسالة يعقوب . وقيل أنهم حذفوا أيضا سفر الرؤيا . غير أنهم أعادوا هذه الأسفار لمكانها فى الكتاب المقدس لما أكل الناس وجوههم !.

2 _ لعل مما خلط على الأذهان فيما يتعلق بموقف البروتستانت بعد ثورتهم على الكنيسة الكاثوليكية البابوية من هذه الأسفار , أن مادعوه بالأبوكريفا لم يكن فقط هذة الأسفار التي اعتبرها الأرثوذكس والكاثوليك قانونية , ولكن كانت هناك أسفار أخرى مرفوضة تماماً حتى من الكاثوليك والأرثوذكس ولم تقرها أى كنيسة في العالم مثل أسفار عزرا الثالث والرابع وأخنوخ وغيرها.

3 _ العجيب أن بعض الكنائس البروتستانتية تختلف فيما بينها حول قانونية هذه الأسفار . ويكاد يميل إلى قبولها من بين هذه الكنائس الأسقفية الإنجليكانية والكنيسة البروتستانتية الألمانية.

4 _ لما حدث مناقشة عن قانونية هذه الأسفار فى الأجيال الأولى للمسيحية , تقرر بالإجماع تضمينها كتب القراءات الخاصة بالخدمات الكنيسة . وفى كنيستنا القبطية الأرثوذكسية نقرا فصولاً من هذه الأسفار ضمن قراءات الصوم الكبير وأسبوع الآلام اعتباراً من باكر يوم الجمعة من الأسبوع الثالث للصوم إلى صباح سبت الفرح وحتى ليلة عيد القيامة ذاتها . وكذلك تعترف معنا بها كنيسة إنطاكية والكنيسة الرومانية الكاثوليكية والكنيسة اليونانية الأرثوذكسية والكنيسة البيزنطية وباقي الكنائس التقليدية.

5 _ وردت هذه الأسفار ضمن الكتب القانونية فى قوانين الرسل . وقد أثبتها الشيخ الصفى بن العسال في كتابة ( مجموع القوانين _ الباب الثاني ) كما أثبتها أخوة الشيخ اسحق بن العسال فى كتابة ( أصول الدين ) وتبعهما أيضا القس شمس الرياس الملقب بابن كبر فى كتابة ( مصباح الظلمة . ).

6 _ عقدت أيضا مجامع كثيرة على ممر العصور لتأكيد عقيدة الكنيسة فى قانونية هذه الأسفار . ونذكر منها مجمع هيبو عام 393 م الذى حضرة القديس أغسطينوس . ومجمع قرطاجنة عام 397 م , ومجمع قرطاجنة الثانى عام 419 م , ومجمع ترنت عام 1456 م للكنيسة الكاثوليكية , ومجمع القسطنطينية الذى كمل فى ياش عام 1642 م , ومجمع أورشليم للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية عام 1982 م.

هل حدث استشهاد بهذه الأسفار أو اقتباس منها فى العهد الجديد

بهذا السؤال ورد اعتراض على قانونية الأسفار التى حذفها البروتستانت بحجة أن كتبة العهد الجديد لم يستشهدوا بها أو يقتبسوا منها . والرد على ذلك أن عدم الاستشهاد بأسفار من العهد القديم فى العهد الجديد لايقوم دليلا على عدم قانونية هذة الأسفار, وإلا لكان يلزمنا أن نقول أن أسفارا مثل استير والجامعة ونشيد الأنشاد وراعوث والقضاة وسفرى أخبار الأيام الأولى والثانى هى الأخرى غير قانونية ومدسوسة ومشكوك فى صحتها لأنة لم ترد اقتباسات منها فى أسفار العهد الجديد .

ورغم ذلك نقول أيضاً :

1 _ أن السيد المسيح نفسة تحدث فى إنجيل يوحنا 10 مع اليهود فى عيد التجديد . فقد ذكر فى هذا الاصحاح قول الوحى " وكان عيد التجديد فى أورشليم وكان شتاء . وكان يسوع يتمشى فى الهيكل فى رواق سليمان . فاحتاط بة اليهود وقالوا لة إلى متى تعلق أنفسنا . إن كنت المسيح فقلنا جهراً . أجابهم يسوع إنى قلت لكم ولتتم تؤمنون . الأعمال التى أنا أعملها باسم أبى هى تشهد لى " يو 10 : 22 -25 " . والعجيب أن عيد التجديد هذا لم يرد ذكره إطلاقا فى أسفار التوراة القانونية المعروفة . غير أنة ورد ذكره فى أحد الأسفار التى حذفها البروتستانت وهو سفر المكابيين الأول ( 1مكا 4 : 59 ) حيث ثبت أن ( يهوذا المكابى ) هو أول من رسم مع أخوتة أن يحتفل اليهود بهذا العيد مده ثمانية أيام فى كل عام تذكاراً لتطير الهيكل وتجديد المذبح وتدشينه . فإذا كان السيد المسيح تكلم مع اليهود فى هذا العيد , وإذا كان يوحنا الرسول كتب في إنجيله عن هذا العيد الذى لم يرد ذكرة إلا فى سفر المكابيين الأول الذى حذفه البروتستانت مع احتفال المسيح بهذا العيد ومع استشهاد الرسول يوحنا به في إنجيله إلا إذا كان سفر المكابيين الأول وغيرة من الأسفار التى حذفها البروتستانت هي أسفار صادقة وصحيحة وقانونية وموحى بها !

2 _ اقتبس كتبة أسفار العهد الكثير من الأسفار القانونية الثانية التى حذفها البروتستانت .
ونذكر على سبيل المثال لا الحصر الاقتباسات الآتية :

1- سفر طوبيا : طو 4 : 7 ,10 , 11 ( قابل لو 14 : 13 ,14 ) وطو 4: 13 ( قابل 1 تس 4: 3 ) ..
2- سفر يهوديت : يهو 8 : 24 , 35 ( قابل 1 كو 10 : 9 ) ويهو 13 : 23 ( قابل لو 1 : 42 ).
3- سفر الحكمة : حك 2 : 6 ( قابل 1 كو 15 : 32 ) وحك3 :7 (قابل مت 13 : 43 ) ..
4- سفر يشوع بن سيراخ : سيراخ 2 :1 ( قابل 2 تى 13 : 12 ) وسيراخ 2 :18 ( قابل يو 14 : 23 ) ..
5- سفر المكابين الأول والثانى : 1مكا 4 : 59 ( قابل يو 10 : 22 _ 25 ) 2مكا 6 : 9 _19 ( قابل عب 11 : 35 _ 37 ) و 2مكا 8 : 5 ,6 ( قابل عب 11 : 33 ,34 )

مع ملاحظة أن هذه الاقتباسات قليل من كثير ...... (1)


1 ) المصدر : من مقدمة الكتاب المقدس للأسفار القانونية الثانية - طبعة مكتبة المحبة بالقاهرة

أذكرونى فى صلاتكم†