ماذا عن المصدر التثنوي الثاني وما هي الأدلة الدامغة على نسبة سفر التثنية لموسى النبي



ج - يقول الأب أنطون نجيب في سياق حديثه عن أضواء على مصدر التثنية " وتغيرت أوضاع الحياة مرة أخرى تغييرًا كبيرًا في زمن الأسر البابلي (586 - 538 ق.م) وكان لا بُد من إعادة كتابة التثنية، بحيث يطابق دستوره الأوضاع الجديدة، ولكن الشكل الجديد للكتاب بقى أمينًا لروح الكتاب الأول، أو بالأحرى لروح موسى النبي، وسبط العهد والمشترع الأكبر، وتمشيًا مع الأحوال الجديدة أضاف المؤلف بعض الأجزاء إلى الكتاب، كما اضطر إلى تغيير النظرة العامة التي توجهه، وهكذا أضاف الفصول الأربعة الأولى (تث 1 - 4) وفيها يروى فتح كنعان بوصفه صورة للعودة التي يرجوها المنفيون، كما أنه يدقق على أمل الخلاص والفداء (تث 4: 29 - 32، 32 - نشيد موسى).

ويضيف المحرر أيضًا فقرة كبيرة إلى اللعنات الواردة في (تث 28) ثم يكمل الفصل (تث 31) ليربط بينه وبين نشيد موسى الذي وضعه في الفصل التالي (تث 32) وهنا يحل هذا النشيد مكان التوراة كشاهد بين الله وشعبه، ومن المرجح أيضًا أن تكون قد أضيفت آنذاك بعض الملاحظات القصيرة إلى الخطابات (تث 10: 6-9) وإلى الشرائع (تث 13) ثم أضيف إلى كل ذلك خبر موت موسى النبي (تث 34) وأخيرًا نلاحظ أن المحور يعطى إليه خاصة لأفكار الحكمة التي أخذت تزدهر في زمن الأسر(1).

وقال ريتشارد إليوت فريدمان بأنه بعد أن حرر أرميا سفر التثنية قبل موت يوشيا الملك سنة 609 ق.م أعاد أرميا صيغة السفر مرة ثانية بعد خراب أورشليم سنة 587 ق.م أي بعد نحو اثنين وعشرين سنة، وكان أرميا في مصر حيث أدخل بعض الفقرات التي تربط بين عهد الله للشعب وطاعة الشعب لله مثل:

"إذا... فسدتم وصنعتم تمثالًا منحوتًا صورة شيء ما وفعلتم الشر في عيني الرب إلهكم لإغاظته, أشهد عليكم اليوم السماء والأرض إنكم تبيدون سريعًا عن الأرض التي أنتم عابرون... ويبددكم الرب في الشعوب" (تث 4: 25-27).

"وكما فرح الرب لكي ليحسن إليكم ويكثركم كذلك يفرح الرب ليقنيكم ويهلككم فتستأصلون من الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها. ويبددك الرب في جميع الشعوب من أقصاه الأرض إلى أقصائها" (تث 28: 63، 64).

" وقال الرب لموسى ها أنت ترقد مع أبائك فيقوم هذا الشعب ويفجر وراء آلهة الأجنبيين... فيكون مأكله وتصيبه شرور كثيرة وشدائد" (تث 31: 16-18).

" ويردك الرب إلى مصر في سفن في الطريق التي قلت لك لا تعد تراها فتباعون هناك لأعدائك عبيدًا وإماء وليس من يشترى" (تث 28: 68)(2).
تعليق: من المستحيل أن يكون أرميا أو أي شخص آخر هو كاتب سفر التثنية وذلك للأسباب الآتية:

لو أن أرميا النبي وضع الصياغة الأولى وبعد اثنين وعشرين سنة وضع الصياغة الثانية التي أضاف عليها إضافات عديدة، وبلا شك إنه تم نسخ بعض المخطوطات من التوراة في صياغتها الأولى بدون الإضافات، وأيضًا تم نسخ بعض المخطوطات من التوراة في صياغتها الثانية بالإضافات، وبالتالي كان لا بُد أن يظهر هذا بالتتابع، فنجد نوعين من المخطوطات، ولكن هذا لم يحدث، فجميع المخطوطات التي تم اكتشافها في قمران والتي بلغت خمسة وعشرون مخطوطة لسفر التثنية جميعها متطابقة تمامًا.

قال الكتاب المقدَّس أنه أثناء ترميم بيت الرب في أورشليم " وعند إدخالهم الفضة المدخلة إلى بيت الرب وجد خلقيا الكاهن سفر شريعة الرب بيد موسى (2 أي 34: 14) وصدق خلقيا الكاهن أن موسى هو الذي كتب هذا السفر " وسلم خلقيا السفر لشافان فقرأه... وقرأه شافان أمام الملك. فلما سمع الملك كلام سفر الشريعة مزق ثيابه" (2مل 22: 8-11) وصدق كل من شافان والملك أن موسى هو الذي كتب هذا السفر، وسمعت خلدة النبية بالخير وصدقته " وأرسل الملك فجمعوا إليه كل شيوخ يهوذا وأورشليم. وصعد الملك إلى بيت الرب وجميع رجال يهوذا وكل سكان أورشليم معه والكهنة والأنبياء وكل الشعب من الصغير إلى الكبير وقرأ في آذانهم كل كلام سفر الشريعة الذي وجد في بيت الرب" (2 مل 23: 1، 2) وصدق الشعب كله أن موسى هو كاتب هذه الشريعة، وقدموا توبة وأصلحوا أحوالهم، ويقول الشماس يسى منصور " إننا نعلم علم اليقين، كما يعلم جميع اليهود منذ أن كانوا في برية سيناء وعلى مدى العصور إلى الآن، وكما يعلم جميع المسيحيين منذ عصر المسيح له المجد ورسله إلى اليوم، وكما هو مدون في كل الكتب المقدسة، وفي قوانين الكنيسة عامة. إن سفر التثنية سفر واحد من أسفار موسى الخمسة، وإنه لكاتب واحد هو موسى، وكتب في مكان واحد هو برية سيناء، وفي زمن واحد هو آخر السنة الأربعين لخروج بني إسرائيل من مصر، وكتبت دفعة واحدة، وموضوعه واحد هو خطابات موسى الثلاثة وبركته للشعب ونشيده، مع ملحق خبرًا وجيزًا لموت موسى ألحقه به يشوع بآخر السفر بالوحي الإلهي(3).

القول بأن كاتب السفر شخص معاصر ليوشيا بغرض تقنين حركة الإصلاح التي يقوم بها يوشيا، ونسب الأقوال لموسى النبي بقصد حسن... هو قول لا يقبله إنسان صادق، فكيف يقبل هذا الكاتب أن ينتحل شخصية موسى النبي! أليس هذا نوعا من الكذب والخداع!! ويقول الشماس يسى منصور "فسفر التثنية مشحون بالوصايا التي تأمر بالعدل، وتشيد بالصدق، وتنهى عن شهادة الزور، وتمقت الخداع، وتشدد على الحق، فلا يعقل والحال هذه أن تكون أقوال سفر التثنية خديعة مخادع، وتزوير مزور، وكذبة كاذب، وغش غشاش(4).

الحجة التي اعتمد عليها أصحاب النقد بأن قيام يوشيا بالإصلاح كان يلزمه ما يدعمه من الشريعة حجة واهية... لماذا لأنه قيل يوشيا قام بعض ملوك يهوذا بالإصلاح مثل آسا الملك الذي شهد له الكتاب قائلًا " وعمل آسا، هو صالح ومستقيم في عيني الرب إلهه ونزع المذابح الغربية والمرتفعات وكسر التماثيل وقطع السواري. وقال ليهوذا أن يطلبوا الرب إله آبائهم وأن يعملوا حسب الشريعة والوصية. ومزع من كل مدن يهوذا المرتفعات وتماثيل الشمس واستراحت المملكة أمامه. وبنى مدنًا حصينة في يهوذا" (2 أي 14: 2-6) حتى إنه خلع أمه معكة لأنها عملت لسارية تمثالًا ودقه وأحرقه في وادي قدرون (2 أي 15: 16) وكذلك حزقيال الملك " عمل المستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمل داود أبوه...فتح أبواب بيت الرب ورشمها" (2 أي 29: 2،3) وقطع عهدًا من الرب (2 أي 29: 10) وعمل فصحًا (2 أي 30: 1) ولم يحتاج لا آسا ولا حزقيا إلى سفر جديد يدعم موقفهما، لأنه في الحقيقة كان سفر التثنية موجودًا من أيام موسى النبي الذي كتبه.

هناك أدلة دامغة على نسبة سفر التثنية لموسى النبي، ومن هذه الأدلة ما يلي:

أولًا: الأدلة الداخلية: ونذكر منها الآتي:
أ - إن هذا السفر كله عبارة عن ثلاثة خطابات ألقاها موسى النبي في شرق الأردن بسهول موآب شرقي أريحا للجيل الجديد الذي ولد في البرية وكان على وشك الدخول إلى أرض الموعد، وتكلم به موسى في الشهر الأخير من حياته (تث 1: 1،3) ويشمل الخطاب الأول رحلات بني إسرائيل في البرية (تث 1-4: 4) ويشمل الثاني الشرائع والفرائض والأحكام التي تسلمها موسى من الرب (ثت 4: 4-26) ووجه الخطاب الثالث لشيوخ إسرائيل موضحًا بركات طاعة الوصية واللعنات التي تلحق بالمخالفين وقد وضع الحياة والموت أمامهم (تث 27-30) ثم الختام (تث 31) ونشيد موسى (تث 32) وبركة موسى للأسباط (تث 33) وحوى الإصحاح الأخير خبر موته بيد يشوع بن نون تلميذه.

ب - ذكر اسم كاتب السفر مرارًا وتكرارًا في عبر الأردن في أرض موآب ابتدأ موسى يشرح هذه الشريعة قائلًا" (تث 1: 5).. وهذه هي الشريعة التي وضعها موسى أمام بني إسرائيل" (تث 4: 44).. ودعا موسى جميع إسرائيل وقال لهم، اسمع يا إسرائيل الفرائض والأحكام التي أتكلم بها في مسامعكم اليوم... (تث 5: 1).. هذه هي كلمات العهد التي أمر الرب موسى أن يقطعه مع بني إسرائيل" (تث 29: 1).. وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة بنى لاوي" (تث 31: 9).. " فعندما كمل موسى كتابة هذه التوراة في كتاب أي تمامها. أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلًا. خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم فيكون شاهدًا عليكم (تث 31: 24-26).

ج - طوال السفر يتكلم موسى بضمير المتكلم عشرات المرات، ويكرر العبارات الدالة على كلام الرب له مثل " قال الرب لي " و"قال لي الرب" (تث 1: 42، 2: 31، 3: 26، 4، 10، 5: 28، 9: 12، 10: 1، 11) ومثل " كلمني الرب" (تث 2: 1، 2، 17، 9: 13) ويورد موسى الأحداث على أنه شريك فيها مثل قوله " الرب إلهنا كلمنا في حوريب قائلًا.." (تث 1: 6).. " ثم ارتحلنا من حوريب وتحركنا" (تث 1: 19).. " فقلت لكم لا ترهبوا ولا تخافوا منهم" (تث 1: 29).. " وعلى أيضًا غضب الرب بسببكم" (تث 1: 37) وقول الرب لهم " الآن قوموا واعبروا وادي زارد. فعبرنا وادي زارد" (تث 1: 37) وقول موسى " فأرسلت رسلًا من برية قديموت إلى سيحون ملك حشبون بكلام سلام قائلًا.." (تث 2: 26).. "فَمَكَثْنَا فِي الْجِوَاءِ مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ" (سفر التثنية 3: 29) وواضح أن الذي شارك في كل هذه الأحداث هو موسى النبي، وليس شخصًا آخر عاش بعده بمئات السنين مثل صموئيل النبي أو أرميا النبي أو حلقيا الكاهن، ومن الواضح أن السفر كتب قبل عبور نهر الأردن " لأنكم عابرون الأردن لتدخلوا وتمتلكوا الأرض التي الرب إلهكم يعطيكم " تمتلكونها وتسكنونها. فاحفظوا جميع الفرائض والأحكام التي أنا واضع أمامكم اليوم لتعملوها" (تث 11: 31،32).

د - أسلوب السفر والجو العام في السفر يؤكد أن كاتبه هو كاتب الأسفار الأربعة السابقة، وهذا ما أكدته دراسات عديدة.

ه - تتوافر في السفر الروح الحماسية والحديث النابع من القلب مع الاختبارات العديدة، وهذا ما يناسب موسى النبي الذي قاد شعب الله لمدة أربعين عامًا. وحمله في أحضانه كمرضعة.

و - يذكر موسى النبي أخطاء بني إسرائيل " وفي تبعيرة ومسة وقبروت هتاوة أسخطك الرب" (تث 9: 22) وهذا يقابل ما جاء في سفر العدد (عد 11: 34) ويذكر استلامه الشريعة " في ذلك الوقت قال لي الرب انحت لك لوحين من حجر مثل الأولين واصعد إلى الجبل.." (تث 10: 1) ويقابل ما جاء في سفر الخروج (خر 34: 1،2) وهلم جرا...

ز - موسى النبي هو أقدر إنسان على وصف رحلة بني إسرائيل في البرية، لأنه كان القائد لهذا الشعب.

ح - أظهرت الدراسات الحديثة أن السفر يتبع شكل المعاهدات التي كان متعارف عليها في القوانين 15،14 ق.م.

ط - أوصى السفر بتحريم عبادات الأمم " تهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم وتحرقون تماثيلهم بالنار. لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك" (تث 7: 5،6) وحمل السفر وعدًا بمحو ذكر عماليق من تحت السماء (تث 25: 17-19) وهذا ما يناسب عصر موسى، ولا يناسب عصر يوشيا الملك.

ى - يذكر السفر شريعة مخلوع النعل (تث 25: 9، 10) فيعرفها الشعب لأول مرة، ثم تتكرر عمليًا في سفر راعوث (را 4: 7) فلو كان الكاتب أيام يوشيا الملك ما كان يذكر هذه الشريعة المتعارف عليها.

ك - قال موسى النبي للشعب " متى أتيت إلى الأرض التي يعطيك الرب إلهك وامتلكتها وسكنت فيها فإن اجعل على ملكًا.." (تث 17: 14-20)

فواضح أن هذا يناسب عصر موسى حيث لم تكن الملوكية قد بدأت في إسرائيل، ولا تناسب عصر يوشيا الملك.

ل- أوصى السفر بإقامة مدن الملجأ عند دخول أرض كنعان (تث 19) فلو كتب السفر أيام يوشيا لذكر مدن الملجأ على إنها حقيقة قائمة(5).



ثانيًا: الأدلة الخارجية: ونذكر منها ما يلي:-
أ - لو إن كاتب سفر التثنية عاش في القرن السابع قبل الميلاد لأشار مثلًا إلى مضايقات الأمم لشعب الله كما حدث في فترة حكم القضاة، ولذكر انقسام المملكة بعد موت سليمان الملك، وما كان يذكر مناطق ومدن كانت قد دمرت في القرن 13 ق.م مثل عاي وبيت ايل ولاخيش.

ب - عندما قال الله ليشوع " كن متشددًا وتشجع جدًا لكي تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي" (يش 1: 7) كان يقصد بهذه الشريعة سفر التثنية " فدعا موسى يشوع وقال له أمام أعين جميع إسرائيل تشدد وتشجع لأنك أنت تدخل مع هذا الشعب الأرض.." (تث 31: 7).

ج - شهادة السيد المسيح له المجد بأن موسى هو الذي كتب سفر التثنية، فموسى كتب عن كتاب الطلاق في هذا السفر (تث 34: 1) وعندما سأل الفريسيون السيد المسيح عن إمكانية الطلاق " فأجاب وقال لههم بماذا أوصاكم موسى فقالوا موسى أذن أن يكتب كتاب طلاق فتطلق" (مر 10: 3، 4)، كما ذكرنا أيضًا فهذه شهادة دامغة أن موسى هو كاتب هذا السفر، ومثلها ما كتبه موسى في هذا السفر عن رجم الزانية (تث 22: 20، 21) وعندما أمسك الكتبة والفريسيون بالمرأة التي أمسكت في الزنى " قالوا له يا معلم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم" (يو 8: 4، 5) ولم يعترض الرب يسوع قائلًا أن موسى لم يوصى بهذا، وعندما قال السيد المسيح لليهود " لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عنى" (يو 5: 46) كان يشير إلى ما كتبه موسى في سفر التثنية " يقيم لك الرب إلهك نبيًا من وسطك من إخوتك مثلى.." (تث 18: 15،18).

د - شهد الآباء الرسل بأن موسى هو كاتب سفر التثنية، فما كتبه موسى عن السيد المسيح (تث 18: 15، 18) قال عنه فيلبس لنثنائيل " وجئنا الذي كتب عنه موسى" (يو 1: 45) وأشار لما كتبه موسى بطرس الرسول أيضًا قائلًا "فإن موسى قال للآباء أن نبيًا مثلى سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم له تسمعون" (أع 3: 22) وكان هذا اعتقاد إستفانوس رئيس الشمامسة عندما قال " هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل نبيًا مثلى سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم له تسمعون" (أع 7: 37).

ومثلها ما كتبه موسى في هذا السفر "هم أغاروني بما ليس إلهًا. أغاظوني بأباطيلهم، فأنا أغيرهم بما ليس شعبًا. بأمة غبية أغيظهم" (تث 32: 21) فقد شهد بولس الرسول بأن موسى هو الذي كتب هذا " أولًا موسى يقول أنا أغيركم بما ليس أمة. بأمة غبية أغيظكم" (رو 10: 19) وأيضًا ما كتبه موسى النبي في سفر التثنية "لا تكم الثور في دراسة" (تث 25: 4) شهد بولس الرسول بأن موسى هو الذي كتبه فقال " فإنه مكتوب في ناموس موسى لا تكم ثورًا دارسًا" (1كو 9: 9) وهكذا...

ويقول أبونا الحبيب القمص تادرس يعقوب " إن كاتب أحد السفرين (التثنية وأرميا) كان ملما بالسفر الآخر تمامًا، توجد كلمات مشتركة بينهما لم ترد في أي سفر آخر من أسفار الكتاب المقدس، وبعض العبارات مطابقة لبعضها البعض، بل والفكر متشابه يحمل ذات النعمة، بالمنطق الطبيعي كان أرميا النبي ملمًا إلمامًا كاملًا بسفر التثنية... فلا عجب إن اهتم أرميا به واقتبس الكثير منه.

لا يمكن قبول أن كاتب السفرين هو واحد، وإن أرميا هو الكاتب لسفر التثنية، لأنه مع وجود عبارات مشتركة بينهما إلا أنه يوجد أيضًا اختلاف في كثير من التعبيرات والألفاظ، فهذا كل ما فعله أرميا أنه تأثر بالسفر واقتبس منه.

لو أن الكاتب هو أرميا ونسبه لموسى النبي لكان أرميا مخادعًا وغاشًا، الأمر الذي لا يتناسب مع شخصيته الصريحة والقوية، حيث وقف ضد الملك ورجاله والقيادات الدينية وعائلته والشعب أحيانًا، مثل هذا الشخص الذي يتحدى الكل علانية بكل قوة لن يلجأ إلى الخداع والكذب(6).

كما يقول القمص تادرس يعقوب أيضًا "حاولت المدرسة النقدية الهجوم على هذا السفر بعنف من جهة نسبته لموسى النبي، إذ قيل أنه كتبه بعض المؤلفين المجهولين بعد سنة 600 ق.م على الأقل، وظهرت نظرية في مطلع هذا القرن (العشرين) ادعت أن نبيًا غير معروف صاغ مادة السفر قبل الإصلاح الذي جرى في أيام يوشيا عام 621 ق.م (1مل 22: 23) وتفترض النظرية أن كتابة السفر كانت بقصد الإصلاح الديني عامة، وبقصد تركيز العبادة في أورشليم خاصة... وقد افترض بعض العلماء المصريين أن السفر كتب بعد السبي، وقال البعض أنه كتب في أواخر زمن حزقيا، وقال آخرون أنه كتب في عهد داود. وكل نظرية من هذه تهدم النظريات الأخرى، والاتجاه اليوم ينحو نحو الاعتراف بأن موسى هو كاتب مع معظم أجزاء السفر(7).