قال السيد المسيح "مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم" .
وهنا يسأل الأريوسيون: هذا الذى يطلب من الآب أن يمجده، هل من المعقول أن يكون مساوياً للآب الذى يمجده


هذه العبارة ذاتها تثبت لاهوت المسيح. فهو يقول "المجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم". إذن فهو موجود قبل كون العالم، وموجود فى مجد. ذلك لأن العالم به كان، بل كل شئ به كان .
أما هذا المجد الذى كان له عند الآب، فهو أنه "بهاء مجده، ورسم جوهره" . ولا شك أن هذا يعنى المساواة...

2- إن كان الآب يمجد الابن، فالابن يمجد الآب أيضاً. فهو قبل عبارة "مجدنى" يقول "أنا مجدتك على الأرض" إذن هو تمجيد متبادل بين الآب والابن. لذلك هو يقول فى بدء هذه المناجاة "أيها الآب قد أتت الساعة. مجد ابنك، ليمجدك ابنك أيضاً"

3- وهنا نسأل ما معنى التمجيد، إذا ذُكر عن الآب أو عن الابن! بل ما معنى أن البشر أنفسهم يمجدون الله كما يقول الرسول "مجدوا الله فى أجسادكم وفى أرواحكم التى هى لله". أو كما يقول الرب فى العظة على الجبل "..ليروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذى فى السموات" .

4- تمجيد الله لا يعنى اعطاءه مجداً ليس له!! حاشا. إنما معناه الاعتراف بمجده أو اظهار مجده. فعبارة "أنا مجدتك على الأرض" معناها: أظهرت مجدك، أعلنته، جعلتهم يعترفون بمجدك. عرّفتهم اسمك. اعطيتهم كلامك" .
تماماً مثل عبارة "باركوا الرب "أى اعترفوا ببركته، أو اعلنوا بركته. وهكذا قول السيد المسيح "أيها الآب مجّد اسمك
أى أظهر مجده، أعلنه. وبنفس الوضع إجابة الآب "مجدت، وأمجد أيضاً"، أى أظهرت ذلك. كذلك عبارة "مجدنى" لا تعطنى مجداً جديداً، فهو مجد كان لى عندك قبل كون العالم. فما معناها

5- تعنى إظهر هذا المجد الذى احتجب بإخلاء الذات . حينما أخذت شكل العبد، وصرت فى الهيئة كإنسان "لا صورة له ولا جمال. محتقر ومخذول من الناس". إذن يتمجد يعنى يسترد المجد الذى أخلى ذاته منه، الذى حجبه بتجسده. اسمح الآن – بعد الصليب، وفى الصعود – أن فترة الإخلاء تنتهى لأن "العمل الذى أعطيتنى لأعمل قد أكملته" .

6- اسمح أن الناسوت يشترك مع اللاهوت فى المجد. وهكذا يشير الرسول إلى "جسد مجده" ...
هذا الجسد الممجد الذى صعد به إلى السماء ليجلس عن يمين الآب.

7- مجده، يشير أيضاً إلى صلبه. الذى اتحد فيه مجد الحب الباذل، ومجد العدل المتحد بالرحمة. مجده حينما ملك على خشبة واشترانا بثمن. وهكذا نرتل له يوم الجمعة العظيمة قائلين "لك القوة والمجد.. عرشك يا الله إلى دهر الدهور" .
لهذا لما خرج يهوذا ليسلمه قال "الآن تمجد ابن الإنسان، وتمجد الله فيه" .
أى بدأ مجده كمخلص وفادِِ ى ومحب..
وقال بعدها "فإن كان الله قد تمجد فيه، فإن الله سيمجده فى ذاته، ويمجده سريعاً".

8- نلاحظ ذلك أيضاً فى علاقة الابن بالروح القدس: قال عن الروح القدس "ذاك يمجدنى، لأنه يأخذ مما لى ويخبركم" يمجدنى هنا، لا تعنى أن الروح القدس أكبر من الابن فيعطيه مجداً، لأن الابن يقول عنه "يأخذ مما لى".
ولا تعنى أن الابن أعظم، فهما أقنومان متساويان. إنما تعنى يظهر مجده للناس.

9- وظهر ذلك أيضاً من جهة استجابة الآب للصلاة عن طريق الابن. إذ قال الرب لتلاميذه "ومهما سألتم باسمى، فذاك أفعله. ليتمجد الآب بالابن" . يتمجد الآب تعنى يظهر مجده فى استجابته.
وعبارة بالابن، لأن الصلاة باسمه، أى عن طريقه...

10- إن الله لا يزيد ولا ينقص. سواء من جهة المجد أو غيره. لا يزيد، لأنه لا يوجد أزيد مما هو فيه.
لا يأخذ مجداً أزيد، لأن طبيعته لا حدود لها. ولا ينقص، لأن هذا ضد كمال لاهوته...
فعبارة مجدنى لا تعنى أعطنى مجداً ليس لى، إنما أظهر مجدى الأزلى وبالمثل عبارة "مجدتك"،
وكل تمجيد متبادل بين الأقانيم


مقتطفات من كتب قداسة البابا شنوده الثالث – سنوات مع أسئلة الناس