[RIGHT][SIZE=5][B]
"وعمل يهوآش ما هو مستقيم في عيني الرب كل أيامه التي فيها علمه يهوياداع الكاهن"
(2مل 12: 2)
مقدمة
كانت الفتاة الصغيرة لا تمل النظر إلى نموذج المدينة الموضوع أمامها، وأطلقت عليها المدينة المسيحية، وسألها أبوها قائلاً: لنفرض أن هذه المدينة وثنية، فماذا ينزع منها!! أجابت بسرعة: الكنيسة.. وقال الأب: ألا يوجد شيء آخر.. قالت لا أظن،.. ولكن الأب قال: لا يابنتي فإن هناك أشياء كثيرة يمكن أن تزال: المدرسة ، والمستشفى ودور العجزة والمكتبات العامة!!.. قالت له الصغيرة: ولكن هذه موجودة في البلاد الوثنية!!... قال لها: إنها لم توجد إلا بتأثير الروح المسيحي، والعالم لم يعرفها، إلا عندما تعمق فيه هذا التأثير، وقد أخذها مقلداً الفكر المسيحي، والعاطفة المسيحية، فهي مرتبطة أساساً بالمفهوم المسيحي في الحياة، وعندما تزال الكنيسة أو بالحري تزال روح الكنيسة في الأرض!!.. فإن ما صدر عنها أو استلهم روحها يمكن ألا نجد له وجوداً،.. ولعل هذا يتضح بالمقارنة مع التاريخ الوثني، الذي لم يعرف -على رغم تعمقه الفلسفي- انتشار دور الحنان والمحبة والإحسان والرحمة!!.. قال الآب: هذا أو شيئاً مثل هذا وهو يبين أهمية بيت الله في الأرض،.. ولعل هذا البيت كان له كل شيء في حياة يوآش، إذ هو المكان الذي درج فيه، واختبأ، وعاش، وهو البيت الذي اهتم بترميمه كأعظم عمل قام به،،.. وكان من الممكن أن يبقى تأثير هذا البيت عميقاً في حياته، لولا أن روحه تباعدت عنه بعد موت الكاهن العظيم الذي علمه ودرجه في كل شيء، وجاءت الغمامة التي طالما لاحقت ملوك يهوذا عند الغروب، ووضعت لتحذيرنا جميعاً، وها نحن نتابع قصة الرجل فيما يلي:
يوآش والألم المبكر
إن قصة يوآش تذكرني بقصة الغلام الصغير الذي كان يتعلم الموسيٍقى، وجاءته الفواجع، وهو في سن مبكرة، فقال لأستاذه: لست أعلم لماذا سمح الله بهذه الآلام التي ألمت بحياتي من كل جانب، وأنا في مطلع الحياة وطراوة الأيام،.. وقال له الأستاذ: لست أعلم يا بني مثلك، لماذا سمح الله لك بهذا كله،.. لكني أعلم شيئاً واحداً، أن لك صوتاً موسيقياً رائعاً، وأن هذا الصوت كان يحتاج إلى رنة الألم والحزن فيه، حتى يصبح من أرق الأصوات التي أعطاها الله للناس في حياتهم!!.. لقد صنع الألم يوآش على صورة من أجمل الصور، فإن ياهو بن نمشي قتل أباه، والطفل ما يزال بعد رضيعاً، فما كان من عثليا بنت إيزابل جدة يوآش وأم أبيه إلا أن قامت وأبادت جميع النسل الملكي، وانفردت هي بالحكم، على أن يهوشبعة زوجة رئيس الكهنة يهوياداع أخت الملك استطاعت أن تخطف ابن أخيها، وتخبئه ست سنوات من وجه عثليا،.. كان أخزيا أبوه ملكاً شريراً، ولو أنه عاش ونشأ في أحضانه وأحضان عثليا، لتغير على الأرجح تاريخه بأكمله، ولسار وراء بيت آخاب في كل شرورهم،.. لكن يتم الولد كان من أهم الأسباب التي استخدمها الله لخيره وحياته!!.. عندما قتلت عثليا النسل الملكي بهذه الصورة المفزعة الرهيبة، كان الناس لا يذكرون إلا أن كارثة قد حدثت،.. ولعل البعض رفع عينيه نحو السماء وهو يقول: لماذا سمحت يا رب بهذه الكارثة!!.. ولعل آخرين تعجبوا كيف يتغلب الشر إلى هذا الحد، ويبدو كما لو أن الله أخلى المكان للأشرار ليعيثوا شراً وفساداً في الأرض!!.. ولعل الغير وقد صدمهم هول الحادث، عجزوا أمام نهر الآلام أن يعرفوا من أين تأتي منابعه، وإلى أين تتجه أو تصب!!