يصبح الفتيان في قبائل الزولو والزوازي الأفريقية كشافين قبل بلوغهم سن الرجولة وذلك أن الفتى , عند ما يجتاز الخامسة عشرة أو السادسة عشرة يأخذه رجال القرية فينزعون عنه ملابسه ويطلونه بطلاء ابيض من قمة رأسه إلى أخمس قدميه ثم يزودونه بدرع ورمح ويحملونه على مغادرة القرية بعد أن يدخلوا في روعه انه إذا ما عثر عليه إنسان وهو لا يزال ابيض اللون كان عرضة للقتل والفتك به الأمر الذي يدفع بالفتى إلى التوغل في الغابات أو التواري بين مزالق الجبال مدة لا تقل عن الشهر الواحد
ومن الطبيعي أن يلمس الفتى خلال تلك المدة انه بحاجة إلى الاعتماد على نفسه في قنص الطيور والحيوانات وشيها على نار يضرمها بنفسه واستعمال جلودها ثيابا تقيه أعراض الطبيعة المتقلبة , والى التعرف ببعض أنواع النبات الصالح لغذائه ,وسرعان ما يوقن الضرورة انه صائر إلى الموت حتما أن لم يكن خليقا بالقيام بهذه الأعباء جميعها
فإذا ما تمكن من القيام بأدواره خلال مدة التشرد الإلزامية واستطاع أن يجد سبيله إلى القرية عاد إليه وقد زال عنه الطلاء الأبيض فيستقبله أهله وأصدقاؤه بالترحاب والإعجاب ويمنحون حق المواطن إذ يكون قد برهن من جدارته بالحياة واستعداده لمجابهة الصروف والغير
وفي جنوب أمريكا حيث يعيش (الياغان) لا يرتدي الفتيان ثيابا البتة, ولا يحق لهم أن يعتبروا أنفسهم رجالا قبل أن يجتازوا اختبار الشجاعة الذي ينحصروا في أن يغمدوا بأيديهم باسمين رماحا تخرق سيقانهم
ورغم أن هذا الاختبار وحشي المظهر إلا انه يدل على مدى اقتناع أولئك المتوحشين بضرورة تعليم الفتيان ممارسة الحياة الخشنة وصرفهم عن الدعة والراحة
ومن المؤسف ألا نرى نحن ضرورة اجتياز فتياننا مثل ذلك من الاختبار قبل أن يتمتعوا بحقوق المواطنين من الرجال, ولعل رغبتنا في سد الفراغ الناجم عن تربيتنا الاجتماعية الخاصة هي التي حملتنا على أن نسألك بكم أيها الفتيان سبيل الكشفية ,فإذا ما تعودتم العمل الشاق واستسغتم كل ما نقدمه لكم من النصح والتدريب حق لكم في النهاية أن تكونوا كشافين أو رجالا بالمعنى الصحيح, وستفخرون بكلا اللقبين عندما ترون أنفسكم في المستقبل مرغمين على تأدية الخدمة العسكرية أو الهجرة إلى الخارج
اعرف كنديا عجوزا يهوى الكشفية كما يهوى القنص وله من العمر ثمانون عاما, وفي كتاب له بعنوان" ستون عاما في السهول , يصف هذا الشيخ الذي يدعى بيل هاملئون أخطار تلك الحياة المليئة بالمغامرات والمفاجآت, ولعل أعظم تلك الأخطار في رأيه كان الوقوع في أيدي ذوي الجلد الأحمر, إذ أن كل شخص يقدر له أن يؤسر في معتقلاتهم يحتم عليه الموت بطريقة لا يتمناها احد من الناس ولا يفضلها على غيرها البتة
إذا عرفت أن الموت شيا بالنار هو رحمة من الرحمات إلى جانب ألوان الهمجية المعروفة عند الهنود وأدركت مدى الخطر الذي يركبه الإنسان في قضاء فترة من حياته بين ظهر أنيبهم وغالبا ما كان يوجه إلى الناس هذا السؤال:" لماذا كنتم تتعرضون لمثل تلك الأخطار فكنت أجيب دائما :"ذلك أن الكشاف يجد في الحياة الجوابة ذات الآفاق المطلقة التي لا تعرف الحدود لذة ومتعة نفيستين يغريانه به رغم أخطارها,وان الرجل الذي يعيش في أحضان الطبيعة لا يلبث أن يتعلم الحقيقة والاستقلال والاعتماد على النفس ويتصف بالأمانة والإخلاص والتضحية
وفي الواقع لم يكن ذلك الشيخ لينطق عن الهوى بل هو الحياة الحرة الطليقة خيرها بنفسه و عاشها بذاته وعقلها رغما عنه فأثرها على حياة الدعة والاستكانة , وقد لاحظت أن الرجال الذين يقضون قسما من عمرهم في شظف العيش هم أكثر الناس برا بالناس والينهم عريكة وادمثهم خلقا وأوفرهم شجاعة وإقداما, ذلك أن صحبتهم للطبيعة تجعل منهم مع الزمن رجالا ظرفاء بالمعنى الصحيح
وكان المستر روزفلت الذي شغل في حياته منصب نائب رئيس الكشاف الأمريكي يؤمن بفوائد الحياة في الهواء الطلق ويعتقد أنها أحب الأشياء التي يتمتع بها نفسه كلما سمحت له مهامه وأعماله ببعض الوقت وقد كتب في ذلك يقول:" أومن بالتمارين التي تمارس في الهواء الطلق مهما كانت تلك التمارين قاسية مجهدة ومهما أصاب الإنسان منها من الإعياء والأذى, ولا انظر بشيء من الارتياح إلى الحنان الأبوي الذي يقضي بان يعيش الأبناء وسط القطن,وليس من شك في أن لرجل الطبيعة الرحبة الأفاق الغلبة دائما في معركة الحياة, فاحرصوا إذن عندما تعملون على أن تعملوا بجهد وقسوة وعندما تلعبون على أن تلعبوا بجهد وقسوة كذلك, شرط ألا يضر لعبكم بعملكم
اجل ليس ثمة مجال ولا مبرر القول بان سكان المدن المتحضرة لا يتمكنون من الحياة المغامرة وسط الغابات والمجاهل ,وهم لذلك يجدون أنفسهم عندما ينقلون إلى خارج بلادهم أو يذهبون إلى القرى عاجزين عن الاعتماد على تجاربهم واختباراتهم الخاصة معرضين دوما لمختلف أنواع الحرمان والبرم التي كان باستطاعتهم تلافيها لو أنهم تعودوا منذ طفولتهم أن يحيوا في المجتمعات حياة الرجولة الصحيحة
أعمال التنقيب من التمارين السهلة التي يمكن أن تنظم في بلادنا إرسال كشافين طلائع وأفراد للقيام بأعمال التنقيب شأن أجدادهم الفرسان الذين كانوا يجوبون المقاطعات النائية لإغاثة الملهوفين وإعانة المحتاجين
ويحسن بالكشافين خلال تلك الجولات أن يتمنعوا عن اللجوء إلى المنازل مفضلين عليها النوم في الخلاء تحت نار الليل الأنيس أو داخل مضارب ينصبونها في حالات خاصة غير مواتية , وليحرصوا على اقتناء مصور جغرافي يغنيهم عن الاستمانة بالمارة ويعرفهم بالطريق والمواقع التي يقصدون إليها, واراني بغنى عن القول أن عليهم ألا ينسوا عمل الخير اليومي عندما تعرض لهم المناسبات وآلا يتقاعسوا عن إعانة المزارعين وشكر الذين يقدمون لهم في حلهم وترحالهم ما يحتاجون إليه من المساعدات والخدمات
ويجب أن يكون لجميع تلك الجولات التثقيبية بوجه عام غايات معينة فتكون مهمة الطليعة في المدينة أن تبحث عن مكان ما كجبل أو بحيرة أو قصرا قديم أو ساحة قتال أو شاطئ بحر, أو أن تكلف الاتصال بأحد المخيمات الكشفية, أما طلائع القرى فترسل إلى المدن لزيارة الآثار وحدائق الحيوانات والمتاحف
ولا تنسوا أيها الكشافة جميعكم أن ترقبوا في سيركم كل ما تقع عليه أنظاركم واحرصوا على أن تذكروا أن تراقبوا في سيركم كل ما تقع عليه أنظاركم واحرصوا على أن تذكروا دائما كل مرحلة من مراحل سفركم مع تفصيلها مهما دقت وكثرت كي تزودوا بها غيركم من الكشافين من بعدكم, وليكن لكم كرسات صغيرة تسرون إليها بمذكراتكم اليومية الحافلة بأهم حوادث اليوم مصحوبة بصور أو رسوم تمثل الأشياء المفصلة التي عرضت لكم في أثناء تجوالكم